وأخرج ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر، قال: كان عمر يخطب يوم الجمعة، فعرض في خطبته أن قال: يا سارية الجبل، من استرعى الذئب ظلم، فالتفت الناس بعضهم لبعض، فقال لهم علي: ليخرجن مما قال، فلما فرغ سألوه فقال: وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وإنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجه واحد، وإن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه، قال: فجاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا صوت عمر في ذلك اليوم قال: فعدلنا إلى الجبل ففتح الله علينا.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عمرو بن الحارث قال: بينما عمر بن الخطاب على المنبر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة فقال: يا سارية الجبل، مرتين أو ثلاثًا، ثم أقبل على خطبته، فقال بعض الحاضرين: لقد جن! إنه لمجنون، فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف وكان يطمئن إليه، فقال: لشد ما ألومهم عليك إنك لتجعل لهم على نفسك مقالًا، بينا أنت تخطب إذ أنت تصيح يا سارية الجبل، أي شيء هذا؟ قال: إني والله ما ملكت ذلك، رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم، فلم أملك أن قلت: يا سارية الجبل، ليلحقوا بالجبل، فلبثوا إلى أن جاء رسول سارية بكتابه: إن القوم لقونا يوم الجمعة، فقاتلناهم حتى إذا حضرت الجمعة ودار حاجب الشمس سمعنا مناديًا ينادي: يا سارية الجبل مرتين، فلحقنا بالجبل، فلم نزل قاهرين لعدونا حتى هزمهم الله وقتلهم، فقال أولئك الذين طعنوا عليه: دعوا هذا الرجل فإنه مصنوع له.
وأخرج أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب لرجل: ما اسمك؟ قال جمرة، قال ابن من؟ قال ابن شهاب: قال: ممن؟ من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال الحرة، قال بأيها؟ قال: بذات لظى، فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فرجع الرجل فوجد أهله قد احترقوا[1].
وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد نحوه، وأخرجه ابن دريد في الأخبار المنثورة، وابن الكلبي في الجامع وغيرهم.
وقال أبو الشيخ في كتاب العظمة، حدثنا أبو الطيب، حدثنا علي بن داود، حدثنا عبد الفتاح بن صالح، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج، عمّن حدثه، قال: لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم، فقالوا: يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون أبدًا في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا والنيل لا يجري [1] أخرجه مالك في الموطأ "25/973/2".