قليلاً ولا كثيرًا، حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب له أن: قد أصبت بالذي قلت، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث بطاقة في داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل، فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها، فإذا فيها: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر: أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجرِ، وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، فأصبحوا وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السنّة عن أهل مصر إلى اليوم[1].
وأخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب، قال: إن كان الرجل ليحدث عمر الحديث فيكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.
وأخرج عن الحسن قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به فهو عمر بن الخطاب.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هدبة الحمصي قال: أخبر عمر بأن أهل العراق قد حصبوا[2] أميرهم فخرج غضبان، فصلى فسها في صلاته، فلما سلم قال: اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم، وعجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية: لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم، قلت: أشار به إلى الحجاج، قال ابن لهيعة: وما ولد الحجاج يومئذ[3].
فصل: في نبذ من سيرته
أخرج ابن سعد عن الأحنف بن قيس قال: كنا جلوسًا بباب عمر، فمرت جارية، فقالوا: سرية أمير المؤمنين، قال: ما هي لأمير المؤمنين بسرية، ولا تحل له، إنها من مال الله، فقلنا: فماذا يحل له من مال الله تعالى؟ قال: إنه لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء، وحلة للصيف، وما أحج به وأعتمر، وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد رجل من المسلمين[4].
وقال خزيمة بن ثابت: كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له، واشترط عليه ألا يركب برذونًا[5]، ولا يأكل نقيًا، ولا يلبس رقيقًا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.
وقال عكرمة بن خالد وغيره: إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر، فقالوا: لو [1] أخرجه أبو الشيخ في العظمة "ح940". [2] أي: رموه بالحصباء رجمًا. النهاية "394/1". [3] أخرجه البيهقي في الدلائل "487/6". [4] أخرجه ابن سعد "239/2". [5] الدابة، وقال الكسائي: يقال للأنثى برذونة.