درهمين قبل أن تدخل: قال: خلِّ عني فإني رجل من بني هاشم، قال: زن درهمين، فقال: خل عني فإني من بني عم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: زن درهمين، قال: خلِّ عني فإني رجل قارئ لكتاب الله، قال: زن درهمين، قال: خل عني فإني رجل عالم بالفقه والفرائض، قال: زن درهمين، فلما أعياه أمره وزن الدرهمين، فرجع ولزم جمع المال والتدنق فيه حتى لقب بأبي الدوانيق.
وأخرج عن الربيع بن يونس الحاجب قال: سمعت المنصور يقول: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي، والملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا.
وأخرج عن مالك بن أنس قال: دخلت على أبي جعفر المنصور فقال: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: أبو بكر وعمر، قال: أصبت وذلك رأي أمير المؤمنين.
وأخرج عن إسماعيل الفهري قال: سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته: أيها الناس، إنما أن سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه، أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله عليه قفلًا، إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني، فارغبوا إلى الله أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم في كتابه إذ يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم بالعدل، فإنه سميع مجيب.
وأخرجه الصولي، وزاد في أوله أن سبب هذه الخطبة أن الناس بَخّلوه، وزاد في آخره: فقال بعض الناس: أحال أمير المؤمنين بالمنع على ربه.
وأخرج عن الأصمعي وغيره أن المنصور صعد المنبر فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر من أنت في ذكره، فقال: مرحبًا مرحبًا، لقد ذكرت جليلًا، وخوفت عظيمًا، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها فاحلف بالله ما الله أردت بها، وإنما أردت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر فأهون بها من قائلها، واهتبلها من الله، ويلك إني قد غفرتها، وإياكم معشر الناس وأمثالها ... وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فعاد إلى خطبته فكأنه يقرؤها في قرطاس.
وأخرج من طرق أن المنصور قال لابنه المهدي: يا أبا عبد الله، الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلًا من ظلم من هو دونه.
وقال: لا تبرمنّ أمرًا حتى تفكر فيه؛ فإن فكرة العاقل مرآته تريه قبيحه وحسنه.