الرشيد هارون أبو جعفر1
الرشيد هارون أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
استخلف بعهد من أبيه عند موت أخيه الهادي ليلة السبت لأربع عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة.
قال الصولي: هذه الليلة ولد فيها عبد الله المأمون، ولم يكن في سائر الزمان ليلة مات فيها خليفة، وقام خليفة وولد خليفة إلا هذه الليلة، وكان يكنى أبا موسى فتكنى بأبي جعفر.
حدث عن أبيه وجده، ومبارك بن فضالة، وروى عنه ابنه المأمون وغيره، وكان من أمير الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا، وكان كثير الغزو والحج، كما قال فيه أبو المعالي الكلابي:
فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدوّ على طمر ... وفي أرض الترفه فوق كور
مولده بالريّ -حين كان أبوه أميرًا عليها وعلى خراسان- في سنة ثمانٍ وأربعين ومائة، وأمه أم ولد، تسمى الخيزران، وهي أم الهادي، وفيها يقول مروان بن أبي حفصة:
يا خيزران هناك ثم هناك ... أمسى يسوس العالمين ابناك
وكان أبيض، طويلًا، جميلًا، مليحًا، فصيحًا، له نظر في العلم والأدب.
وكان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، لا يتركها إلا لعلة، ويتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم.
وكان يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النص.
وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن، فقال: لئن ظفرت به لأضربنّ عنقه.
وكان يبكي على نفسه وعلى إسرافه وذنوبه، وسيما إذا وعظ، وكان يحب المديح، ويجيز عليه الأموال الجزيلة، وله شعر.
دخل عليه مرة بن السماك الواعظ، فبالغ في احترامه، فقال له ابن السماك، تواضعك في شرفك أشرف من شرفك؛ ثم وعظه فأبكاه، وكان يأتي بنفسه إلى بيت الفضيل بن عياض.
قال عبد الرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمرّ هارون، فقال فضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الأرض أعز عليّ منه، لو مات لرأيت أمورًا عظامًا.
قال أبو معاوية الضرير: ما ذكرت النبي -صلى الله عليه وسلم- بين يدي الرشيد إلا قال: صلى الله على سيدي، وحدثته بحديثه صلى الله عليه وسلم: "وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل" [2]. فبكى حتى انتحب.
1 تولى الخلافة170هـ وحتى193هـ. [2] أخرجه الخطيب في تاريخه "7/4".