ركبوا عليه في العشرين من ربيع الأول سنة ست والمقتدر يلعب الأكرة، فهرب ودخل وأغلقت الأبواب، وقتل الوزير وجماعة، وأرسل إلى ابن المعتز فجاء وحضر القواد والقضاة والأعيان، وبايعوه بالخلافة ولقبوه الغالب بالله، فاستوزر محمد بن داود بن الجراح، واستقضى أبا المثنى أحمد بن يعقوب، ونفذت الكتب بخلافة ابن المعتز.
قال المعافى بن زكريا الجريري: لما خلع المقتدر وبويع ابن المعتز دخلوا على شيخنا محمد بن جرير الطبري، فقال: ما الخبر؟ قيل: بويع ابن المعتز، قال: فمن رشح للوزارة؟ قيل: محمد بن داود، قال: فمن ذكر للقضاء؟ قيل: أبو المثنى، فأطرق ثم قال: هذا الأمر لا يتم، قيل له: وكيف؟ قال: كل واحد ممن سميتهم متقدم في معناه عالي الرتبة والزمان مدبر والدنيا مولية، وما أرى هذا إلا اضمحلال، وما أرى لمدته طولًا.
وبعث ابن المعتز إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار محمد بن طاهر لكي ينتقل ابن المعتز إلى دار الخلافة، فأجاب، ولم يكن بقي معه إلا طائفة يسيرة، فقالوا: يا قوم! نسلم هذا الأمر ولا نجرب نفوسنا في دفع ما نزل بنا، فلبسوا السلاح وقصدوا المخرم وبه ابن المعتز، فلما رآهم من حوله ألقى الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا منهزمين بلا قتال، وهرب ابن المعتز، ووزيره وقاضيه، ووقع النهب والقتل في بغداد، وقبض المقتدر على الفقهاء والأمراء الذين خلعوه، وسلموا إلى يونس الخازن فقتلهم إلا أربعة -منهم القاضي أبو عمر- سلموا من القتل، وحبس ابن المعتز، ثم أخرج فيما بعد ميتًا، واستقام الأمر للمقتدر؛ فاستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات، فسار أحسن سيرة، وكشف المظالم، حض المقتدر على العدل، ففوض إليه الأمر لصغره، واشتغل باللعب واللهو، وأتلف الخزائن.
وفي هذه السنة أمر المقتدر ألا يستخدم اليهود والنصارى، وأن يركبوا بالأكف.
وفيها غلب أمر المهدي بالمغرب، وسلم عليه بالإمامة، ودعي له بالخلافة، وبسط في الناس العدل والإحسان، فانحرفوا إليه، وتمهدت له المغرب، وعظم ملكه، وبنى المهدية، وهرب أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب إلى مصر، ثم أتى العراق، وخرجت المغرب عن أمر بني العباس من هذا التاريخ؛ فكانت مدة ملكهم جميع الممالك الإسلامية مائة وبضعًا وستين سنة، ومن هنا دخل النقص عليهم.
قال الذهبي: اختل النظام كثيرًا في أيام المقتدر لصغره.
وفي سنة ثلاثمائة ساخ جبل بالدينور في الأرض، وخرج من تحته ماء كثير أغرق القرى،
وفيها ولدت بغلة فلوًّا [1]، فسبحان القادر على ما يشاء!.
وفي سنة إحدى وثلاثمائة ولي الوزارة علي بن عيسى؛ فسار بعفة وعدل وتقوى، وأبطل الخمور، وأبطل المكوس[2] ما ارتفاعه في العام خمسمائة ألف دينار، وفيها أعيد القاضي أبو عمر إلى القضاء، وركب المقتدر من داره إلى الشماسية وهي أول ركبة ركبها وظهر فيها للعامة. [1] الفلوّ: المهر. [2] المكوس: دراهم تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق والمسماة الآن بالضريبة.