وفيها أدخل الحسين الحلاج مشهورًا على جمل إلى بغداد، فصلب حيًّا، ونودي عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ثم حبس إلى أن قتل في سنة تسع، وأشيع عنه أنه ادعى الإلهية، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الأشراف، ويكتب إلى أصحابه من النور الشعشعاني، ونوظر فلم يوجد عنده شيء من القرآن، ولا الحديث، ولا الفقه.
وفيها سار المهدي الفاطمي يريد مصر في أربعين ألفًا من البربر، فحال النيل بينه وبينها، فرجع إلى الإسكندرية، وأفسد فيها وقتل، ثم رجع فسار إليه المقتدر إلى برقة، وجرت لهم حروب، ثم ملك الفاطمي الإسكندرية والفيوم من هذا العام.
وفي سنة اثنتين ختن المقدر خمسة من أولاده، فغرم على ختانهم ستمائة ألف دينار، وختن معهم طائفة من الأيتام، وأحسن إليهم.
وفيها صلى العيد في جامع مصر، ولم يكن يصلى فيه العيد قبل ذلك، فخطب بالناس علي بن أبي شيخة من الكتاب نظرًا، وكان من غلطه أن قال: اتقو الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون.
وفيها أسلم الديلم علي يد الحسن بن علي العلوي الأطروش، وكان مجوسيًّا.
وفي سنة أربع وقع الخوف ببغداد من حيوان يقال له: الزبزب، ذكر الناس أنهم يرونه بالليل على الأسطحة وأنه يأكل الأطفال، ويقطع ثدي المرأة، فكانوا يتحارسون ويضربون بالطاسات ليهرب، واتخذ الناس لأطفالهم مكاب، ودام عدة ليالٍ.
وفي سنة خمس قدمت رسل ملك الروم بهدايا، وطلبت عقد هدنة؛ فعمل المقتدر موكبًا عظيمًا، فأقام العسكر وصفهم بالسلاح -وهم مائة وستون ألفًا- من باب الشماسية إلى دار الخلافة، وبعدهم الخدام وهم سبعة آلاف خادم، ويليهم الحجاب وهم سبعمائة حاجب، وكانت الستور التي نصبت على حيطان دار الخلافة ثمانية وثلاثين ألف ستر من الديباج، والبسط اثنين وعشرين ألفًا، وفي الحضرة مائة وسبع في السلاسل، إلى غير ذلك.
وفي هذه السنة وردت هدايا صاحب عمان، وفيها طير أسود يتكلم بالفارسية والهندية أفصح من الببغاء.
وفي سنة ست فتح مارستان أم المقتدر، وكان مبلغ النفقة فيه في العام سبعة آلاف دينار.
وفيها صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه لركاكته، وآل الأمر إلى أن أمرت أم المقتدر بمثل القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعة؛ فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطبها.
وفيها عاد القائم محمد بن المهدي الفاطمي إلى مصر فأخذ أكثر الصعيد.
وفي سنة ثمانٍ غلت الأسعار ببغداد وسغبت[1] العامة لكون حامد بن العباس ضمن السواد وجدد المظالم، ووقع النهب، وركب الجند فيها، وشتتهم العامة، ودام القتال أيامًا، وأحرق العامة الحبس، وفتحوا السجون، ونهبوا الناس، ورجموا الوزير، واختلفت أحوال الدولة [1] السغب: الجوع، والمسغبة المجاعة. انظر مختار الصحاح "ص: 300".