فأردت أن أفجعك فيه، فندم الراضي وحبسه، فأقام إلى سنة ثلاث وثلاثين، ثم أطلقوه وأهملوه، فوقف يومًا بجامع المنصور بين الصفوف وعليه مبطنة بيضاء، وقال: تصدقوا علي، فأنا من قد عرفتم، وذلك في أيام المستكفي ليشنع عليه، فمنع من الخروج إلى أن مات سنة تسع وثلاثين في جمادى الأولى عن ثلاث وخمسين سنة،
وكان له من الولد: عبد الصمد، وأبو القاسم، وأبو الفضل، وعبد العزيز.
ومات في أيامه من الأعلام: الطحاوي شيخ الحنفية، وابن دريد، وأبو هاشم الجبائي، وآخرون.
الراضي بالله أبو العباس1
الراضي بالله: أبو العباس محمد بن المقتدر بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل.
ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، وأمه أم ولد رومية اسمه ظلوم، بويع له يوم خلع القاهر، فأمر ابن مقلة أن يكتب كتابًا فيه مثالب القاهر ويقرأ على الناس.
وفي هذا العام -أي عام اثنتين وعشرين وثلاثمائة- من خلافته مات مرداويج مقدم الديلم بأصبهان، وكان قد عظم أمره، وتحدثوا أنه يريد قصد بغداد، وأنه مسالم لصاحب المجوس، وكان يقول: أنا أرد دولة العجم، وأمحق دولة العرب.
وفيها بعث على بن بويه إلى الراضي يقاطعه على البلاد التي استولى عليها بثمانمائة ألف ألف درهم كل سنة، فبعث له لواء وخلعًا، ثم أخذ ابن بويه يماطل بحمل المال.
وفيها مات المهدي صاحب المغرب، وكانت أيامه خمسًا وعشرين سنة، وهو جد خلفاء المصريين الذين يسمونهم الجهلة الفاطميين، فإن المهدي هذا ادعى أنه علوي، وإنما جده مجوسي، قال القاضي أبو بكر الباقلاني: جد عبيد الله الملقب بالمهدي مجوسي، دخل عبيد الله المغرب وادعى أنه علوي، ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وكان باطنيًّا خبيثًا، حريصًا على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء، ليتمكن من إغواء الخلق وجاء أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمور والفروج، وأشاعوا الرفض، وقام بالأمر بعد موت هذا ابنه القائم بأمر الله أبو القاسم محمد.
وفي هذه السنة ظهر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بأبي القراقر، وقد شاع عنه أنه يدعي الإلهية؟ وأنه يحيي الموتى، فقتل وصلب وقتل معه جماعة من أصحابه.
وفيها توفي أبو جعفر السجزي أحد الحجاب، قيل: بلغ من العمر مائة وأربعين سنة وحواسه جيدة، وفيها انقطع الحج من بغدد إلى سنة سبع وعشرين.
وفي سنة ثلاث وعشرين تمكن الراضي الله، وقلد ابنيه أبا الفضل وأبا جعفر المشرق والمغرب.
1 تولى الخلافة سنة 322هـ وحتى 329هـ.