وفي سنة إحدى وثمانين قبض على الطائع، وسببه: أنه حبس رجلًا من خواص بهاء الدولة، فجاء بهاء الدولة وقد جلس الطائع في الرواق متقلدًا سيفًا، فلما قرب بهاء الدولة قبل الأرض وجلس على كرسي، وتقدم أصحاب بهاء الدولة فجذبوا الطائع من سريره، وتكاثر الديلم، فلفوه في كساء وأصعد إلى دار السلطنة، وارتج البلد، ورجع بهاء الدولة، وكتب على الطائع أيمانًا بخلع نفسه، وأنه سلم الأمر إلى القادر بالله ليحضر وهو بالبطيحة.
واستمر الطائع في دار القادر بالله مكرمًا محترمًا في أحسن حال؛ حتى إنه حمل إليه ليلة شمعة قد أوقد نصفها، فأنكر ذلك، فحملوا إليه غيرها إلى أن مات ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وتسعين، وصلى عليه القادر بالله في داره وشيعه الأكابر والخدم، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة،
وكان شديد الانحراف على آل أبي طالب وسقطت الهيبة في أيامه جدًّا حتى هجاه الشعراء.
مات في أيام الطائع من الأعلام: ابن السني الحافظ، وابن عدي، والقفال الكبير، والسيرافي النحوي، وأبو سهل الصعلوكي، وأبو بكر الرازي الحنفي، وابن خالويه، والأزهري إمام اللغة، وأبو إبراهيم الفارابي صاحب ديوان الأدب، والرفاء الشاعر، وأبو زيد المروزي الشافعي، والداركي، وأبو بكر الأبهري شيخ المالكية، وأبو الليث السمرقندي إمام الحنفية، وأبو علي الفارسي النحوي وابن الجلاب المالكي.
القادر بالله أبو العباس1 القادر بالله: أبو العباس أحمد إبن إسحاق بن المقتدر.
ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وأمه أمة واسمها تمنى، وقيل: دمنة.
بويع له بالخلافة بعد خلع الطائع، وكان غائبًا، فقدم في عاشر رمضان، وجلس الغد جلوسًا عامًّا، وهنئ.
وأنشد بين يديه الشعراء، ومن ذلك قول الشريف الرضي:
شرف الخلافة يا بني العباس ... اليوم جدده أبو العباس
ذا الطود أبقاه الزمان ذخيرة ... من ذلك الجبل العظيم الراسي
قال الخطيب: وكان القادر من الستر والديانة والسيادة وإدامة التهجد بالليل وكثرة البر والصدقات وحسن الطريقة على صفة اشتهرت عنه وعرف به كل أحد، مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد تفقه على العلامة أبي بشر الهروي الشافعي، وقد صنف كتابًا في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وإكفار المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث، بجامع المهدي، وبحضرة الناس، ترجمه ابن الصلاح في طبقات الشافعية.
1 تولى الخلافة 393هـ وحتى 422هـ.