وتتكمل بها المزايا، ويرق شجرها بالليل المقمر، ويرقم على جبين الصباح، تعظ بها مكة بطحاءها، ويحيا بحدائها قفاه، ويلقنها كل أب فهمه ابنه، ويسأل كل ابن نجيب أباه، وهو لكم أيها الناس من أمير المؤمنين من سدد عليكم بينة، وإليكم ما دعاكم به إلى سبيل الله من الحكمة والموعظة الحسنة، ولأمير المؤمنين عليكم الطاعة ولولا قيام الرعايا ما قبل الله أعمالها، ولا أمسك بها البحر ودحا الأرض وأرسى جبالها، ولا اتفقت الآراء على من يستحق وجاءت إليه الخلافة تجر أذيالها، وأخذها دون بني أبيه ولم تكن تصلح إلا له ولم يكن يصلح إلا لها، وقد كفاكم أمير المؤمنين السؤال بما فتح الله لكم من أبواب الأرزاق وأسباب الارتزاق، وأجراكم على وفاقكم وعلمكم مكارم الأخلاق، وأجراكم على عوائدكم ولم يمسك خشية الإنفاق، ولم يبق لكم على أمير المؤمنين إلا أن يسير فيكم بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعمل بما يسعد به من يحيا أطال الله بقاء أمير المؤمنين من بعده ويزيد على من تقدم، ويقيم فروض الحج والجهاد، وينيم الرعايا بعدله الشامل في مهاد، وأمير المؤمنين يقيم على عادة آبائه موسم الحج في كل عام، ويشمل بره سكان الحرمين الشريفين وسدنة بيت الله الحرام، ويجهر السبيل على صالة، ويرجو أن يعود على حاله الأول في سالف الأيام، ويتدفق في هذين المسجدين بحره الزاهر ويرسل إلى ثالثهما في البيت المقدس ساكب الغمام، ويقيم بعدله قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أينما كانوا وأكثرهم في الشام، والجمع والجماعات هي فيكم على قديم سننها، وقويم سننها، وستزيد في أيام أمير المؤمنين لمن يضم إليه، وفيما يتسلم من بلاد الكفار ويسلم منهم على يديه، وأما الجهاد فكفى باجتهاد القائم أمير المؤمنين بمأموره، المقلد عنه جميع ما وراء سريره، وأمير المؤمنين قد وكل منه خلد الله ملكه وسلطانه عينًا لا تنام، وقلد سيفًا لو أغفت بوارقه ليلة واحدة عن الأعداء سلت خياله عليهم الأحلام، وسيؤكد أمير المؤمنين في ارتجاع ما غلب عليه العدا، وقد قدم الوصية بأن يوالي غزو العدو المخذول برًّا وبحرًا، ولا يكف عمن ظفر به منهم قتلًا ولا أسرًا، ولا يفك أغلالًا ولا إصرًا، ولا ينفك يرسل عليهم في البر من الخيل عقبانًا وفي البحر غربانًا تحمل كل منهما من كل فارس صقرًا، ويحمي الممالك ممن يتخرق أطرافها بإقدام، وأمهات المماليك التي هي مرابط البنود ومرابط الأسود، والأمراء والعساكر والجنود، وترتيبهم في الميمنة والميسرة، والجناح الممدود، ويتفقد أحوالهم بالعرض، بما لهم من خيل تعقد ما بين السماء والأرض، وما لهم من زرد موضون، وبيض مسها ذهب ذائب فكانت كأنها بيض مكنون، وسيوف قواضب ورماح بسبب دوامها من الدماء خواضب، وسهام تواصل القسى وتفارقها فنحن حنين مفارق وتزمجر القوس زمجرة مغاضب.
وهذه جملة أراد أمير المؤمنين بها إطابة قلوبكم، وإطالة ذيل التطويل على مطلوبكم، ودماؤكم وأموالكم وأعراضكم في حماية إلا ما أباح الشرع المطهر، ومزيد الإحسان إليكم على مقدار ما يخفى منكم ويظهر، وأما جزيئات الأمور فقد علمتم أن من بعد عن أمير المؤمنين، غني عن مثل هذه الذكرى وأنتم على تفاوت مقاديركم وديعة أمير المؤمنين وكلكم سواء في الحق عند أمير المؤمنين، وله عليكم أداء النصيحة، وإبداء الطاعة بسريرة صحيحة،