فقد دخل كل منكم في كنف أمير المؤمنين وتحت رقه، ولزمه حكم بيعته وألزم طائره في عنقه، وسيعلم كل منكم في الوفاء بما أصبح به عليمًا، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا.
وهذا قول أمير المؤمنين، وقال: وهو يعمل في ذلك كله بما تحمد عاقبته من الأعمال وعلى هذا عهد إليه وبه يعهد، وما سوى هذا فجور لا يشهد به عليه ولا يشهد، وأمير المؤمنين يستغفر الله على كل حال، ويستعيذ به من الإهمال، ويسأل أن يمده لما يحب من الآمال، ولا يمد له حبل الإمهال.
ويختم أمير المؤمنين قوله بما أمر الله به من العدل والإحسان، والحمد لله وهو من خلق أحمد وقد آتاه الله ملك سليمان، والله يمتع أمير المؤمنين بما وهبه، ويملكه أقطار الأرض ويورثه بعد العمر الطويل عقبه، ولا يزال على سدة العلياء قعوده، ولدست الخلافة به أبهة الجلالة كأنه ما مات منصوره ولا أودى مهديه ولا رشيده.
وقال ابن حجر في الدرر: كان أولًا لقب المستنصر ثم لقب الحاكم.
ذكر الشيخ زين الدين العراقي أنه سمع الحديث على بعض المتأخرين، وأنه حدث، مات في الطاعون في نصف سنة ثلاث وخمسين.
ومن الحوادث في أيامه: في عام ولايته خلع السلطان المنصور لفساده وشربه الخمور حتى قيل: إنه جامع زوجات أبيه، ونفي إلى قوص وقتل بها، فكان ذلك من الله مجازاة لما فعله والده مع الخليفة، وهذه عادة الله مع من يتعرض لأحد من آل العباس بأذى، وتسلطن أخوه الملك الأشرف كجك، ثم خلع من عامه وولي أخوه أحمد، ولقب بالناصر، وعقد المبايعة وبينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدين السبكي قاضي الشام، وكان قد حضر معه مصر.
وفي سنة ثلاث وأربعين خلع الناصر أحمد، وولي أخوه إسماعيل، ولقب بالصالح.
وفي سنة ست وأربعين مات الصالح، فقلد الخليفه أخاه شعبان، ولقب بالكامل.
وفي سنة سبع وأربعين قتل الكامل، وولي أخوه أمير حاج، ولقب بالمظفر.
وفي سنة ثمانٍ وأربعين خلع المظفر، وولي أخوه حسن، ولقب بالناصر.
وفي سنة تسع وأربعين كان الطاعون العام الذي لم يسمع بمثله.
وفي سنة اثنتين وخمسين خلع الناصر حسن، وولي أخوه صالح، ولقب الملك المصالح وهو الثامن ممن تسلط من أولاد الناصر محمد بن قلاوون، وجعل شيخو أتابكة، قال في ذيل المسالك: وهو أول من سمي بمصر الأمير الكبير.
وممن مات في أيام الحاكم من الأعلام: الحافظ أبو الحجاج المزي، والتاج عبد الباقي اليمني والشمس بن عبد الهادي، وأبو حيان، وابن الوردي، وابن اللبان، وابن عدلان، والذهبي، وابن فضل الله، وابن قيم الجوزية، والفخر المصري شيخ الشافعية بالشام والتاج المراكشي، وآخرون.