في سبيل أطماعه وجزاء ما اجترحت يداه من عيث وإفساد.
وقد صنّف أبو الفرج أخبارهم، ونظّم سيرهم، ورصف مقاتلهم، وجلّى قصصهم بأسلوبه الساحر، وبيانه الآسر وطريقته الفذة في حسن العرض، ومهارته الفائقة في سبك القصة، وحبك نسجها، وائتلاف أصباغها وألوانها، وتسلسل فكرتها، ووحدة ديباجتها، وتسوق نصاعتها، على اختلاف رواتها وتعدد روايتها وتباين طرقها، حتى لتبدو وكأنها بنات فكر واحد وهذا هو سر الصنعة في أدب أبي الفرج الأصفهاني.
ولئن كان أبو الفرج قد بلغ غاية التصوير والتعبير في كتاب الأغاني لأن موضوعه يلتئم ومزاجه الفني ويتفق ومسلكه في الحياة ويقع من عقله وفكره وذوقه وعاطفته موقع الرضا والقبول، فإنه كذلك قد بلغ غاية التصوير والتعبير في مقاتل الطالبيين لأن موضوعه حبيب إلى نفسه، عظيم المكانة من قلبه لأنه وإن كان أموي النسب فإنه شيعي الهوى وليس ذلك بمستغرب ولا مستنكر فإن التشيّع الحقيقي ينجم عن حب الرسول ويصدر عن مودة قرباه وآل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، والحب الصادق لا يقيم وزنا لفارق النسب ولا لغيره من الفوارق التي يحقّرها ويحطم مغاليقها وأسوارها وإن تواضع الناس على احترامها.
نعم كان أبو الفرج أمويّا شيعيّا، وشيعيّا أمويّا يعطف على الدولة الأموية بالأندلس ويكرم وفادة رسلها إليه، ويختصها بثمار قريحته ونتائج فطنته، ويؤلف الكتب ثم يرسل بها إليهم فتظهر عندهم قبل ظهورها في المشرق بل لا يكاد المشرق يعرف عن أكثرها إلّا اسمه وقد عدّ الخطيب البغدادي من هذه الكتب أحد عشر كتابا «1» .
كان موضوع مقاتل الطالبيين إذا محببا إلى نفس أبي الفرج فحشد له همته،