وحالك، ووهبت لك القافلة بجميع ما فيها، ثم خرجت فناديت في أصحابي فاجتمعوا إليّ، فناديت فيهم إني قد أجرت هذه القافلة وأهلها وخفرتها وحميتها، وجعلت لها ذمّة الله وذمة رسوله وذمتي، فمن أخذ منها خيطا أو مخيطا أو عقالا فقد آذنته بحرب. فانصرفوا معي وانصرفت، وسار أهل القافلة سالمين.
فلما أخذت وحبست، بينا أنا ذات يوم في محبسي إذ جاءني السجان فقال لي:
إن بالباب امرأتين تزعمان أنهما من أهلك، وقد حظر عليّ أن يدخل [عليك] أحد، إلّا أنهما قد أعطتاني دملج ذهب، وجعلتاه لي إن أوصلتهما إليك، وقد أذنت لهما وهما في الدهليز، فاخرج إليهما إن شئت.
فتنكرت من يجيئني في بلد غربة وفي حبس وحيث لا يعرفني أحد، ثم تفكرت فقلت: لعلهما من ولد أبي أو من بعض نساء أهلي، فخرجت إليهما وإذا بصاحبتي فلما رأتني بكت لما رأت من تغيير خلقي وثقل حديدي، فأقبلت عليها الأخرى فقالت: أهو هو؟ قالت: إي والله لهو هو، ثم أقبلت عليّ فقالت: فداك أبي وأمي، لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت، ولكنت بذاك مني حقيقيا، وو الله لا تركت المعاونة والسعي في خلاصك، وكلّ حيلة ومال وشفاعة، وهذه دنانير وطيب وثياب فاستعن بها على موضعك، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك حتى يفرج الله عنك. ثم أخرجت إليّ المرأة كسوة وطيبا ومائتي دينار، وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف، ويتصل برها عند السجان فلا يمتنع من كل ما أريد، حتى من الله بخلاصي.
ثم راسلتها فخطبتها، فقالت: أما من جهتي فأنا لك سامعة مطيعة، والأمر إلى أبي، فأتيته فخطبتها إليه، فردني وقال: ما كنت لأحقق عليها ما شاع في الناس عنك من أمرها فقد صيرتنا فضيحة. فقمت من عنده منكسرا مستحيا وقلت في ذلك:
رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحق أدال الله منهم فعجلا «1»
بأمر تركناه وربّ محمد ... عيانا فإما عفة أو تجملا
فقلت له: إن عيسى صنيعة أخي «2» ، وهو لي مطيع، وأنا أكفيك أمره، فلما