الكلبية، وعبر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء بالأندلس، فأقام بها أياما للراحة والتأهب لخوض المعركة القادمة، ثم أجمع على المسير نحو "طليطلة" في طريق غير الطريق الذي سار فيه طارق؛ ليفتح هو الآخر فتوحا جديدة، فمر بمدينة "إشبيلية" وفتحها بعد حصار شديد، وكانت من أعظم مدائن الأندلس، وأعجبها بنيانا وآثارا. ثم مضى موسى بعد ذلك إلى مدينة "ماردة" التي تقع على نهر آنُهْ "راجع الخريطة" -وكانت من المدن الحصينة، ذات الأسوار المنيعة والأبراج العالية- فحاصرها طويلا، إلى أن استسلمت له، ودخلها صلحا "في مطلع شوال 94هـ". وبعد شهر من الإقامة فيها تحرك موسى بن نصير صوب "طليطلة"، فلما وصل إلى "طلبيرة" -على نهر التاجُهْ "راجع الخريطة"- خرج طارق بن زياد للقائه هناك، وسلمه قيادة الفتح، وعادا معا بالجيش إلى "طليطلة"، فأقاما بها طوال فصل الشتاء، ثم نهضا لاستكمال فتح شمال الأندلس.
اتجه طارق بن زياد بقواته إلى الشمال الشرقي، واحتل مدينة "سرقسطة" الواقعة على نهر "إبرو"، وصعد إلى قرب جبال "البرتات" "التي تفصل إسبانيا عن جنوب فرنسا"، ثم عاد واتجه غربا محاذيا نهر "إبرو". وعند مدينة "أشترقة" "راجع موقعها على الخريطة" التقى بموسى بن نصير وجيشه، وسار الاثنان لفتح شمال غرب الأندلس. فأما موسى فقد دخل "أبيط" "Oviedo" بعد أن عبر جبال "كنتبرية"، ووصل إلى ساحل خليج "بسكاي" عند بلدة "خيخون" "راجع الخريطة". وأما طارق فقد بلغ مداخل إقليم "جليقية" في أقصى الشمال الغربي.
وهنا أحس موسى أنه أتم فتح الأندلس، فعاد إلى "طليطلة" ليواصل عمله كأول والٍ من ولاة الأندلس، ولكن الخليفة الوليد بن عبد الملك كان قد استدعاه مع طارق بن زياد إلى دمشق، فترك ابنه "عبد العزيز بن موسى" واليا على الأندلس في "المحرم 95هـ/ سبتمبر 713م"[1] ليقوم بما تقتضيه أحوال البلاد من التنظيم والإصلاح، وبه يبدأ عصر الولاة بالأندلس. [1] راجع التفاصيل عن عبور موسى بن نصير إلى الأندلس, ومواصلة عمليات الفتح: تاريخ المسلمين في المغرب والأندلس للدكتور/ طه عبد المقصود عبد الحميد "ص199-205"، مع المراجع المذكورة في هوامش هذه الصفحات.