من الروم، خرجوا عن بكرة أبيهم للتقال مع ملكهم فنصره الله عليهم، وقتل منهم خلقا كثيرا، وفر الباقون في المراكب إلى جزائر البحر وخاصة نحو "صقلية"[1].
2- وبعد هزيمة القرطاجنيين تصدى حسان بن النعمان لتحالف "بيزنطي/ بربري" جديد. فقد حاول الروم أن ينتقموا من المسلمين لاستيلائهم على "قرطاجنة"، فاجتمعوا في موضع يسمى "صطفورة"، وأمدهم البربر بعسكر عظيم، فزحف إليهم حسان، وقاتلهم حتى هزمهم، وتمخضت المعركة عن عدد كبير من قتلى التحالف البيزنطي البربري، وعلى إثرها هر بمن بقي من الروم إلى مدينة "باجه" خائفين، وتراجع البربر إلى مدينة "بونة". ثم انصرف حسان إلى مدينة "القيروان" فأقام بها حتى برئت جراح أصحابه[2].
3- بقي أن يتصدى حسان للتجمع البربري الضخم والشرس في منطقة جبال الأوراس في الداخل، بقيادة "الكاهنة" التي تمكنت -كما ذكرنا- من تجميع قوي البربر وئاستها لهم بعد مقتل "كسيلة الأوربي". وكان حسان قد أدرك أن هذا التجمع له خطورة قصوى، ولا بد من التصدي له، وأنه إن تمكن من التغلب عليه فقد دان له المغرب كله، وسقطت فيه آخر قاعدة ضخمة للمقاومة، وقد ذكر ابن عذارى هذا المعنى في قوله: "لما دخل حسان القيروان أراح بها أياما، ثم سأل أهلها عمن بقي من أعظم ملوك إفريقية، ليسير إليه فيبيده أو يسلم، فدلوه على امرأة بجبل أوراس يقال لها الكاهنة، وجميع من بإفريقية من الروم منها خائفون، وجميع البربر لها مطيعون، فإن قتلها كان لك المغرب كله، لم يبق لك مضاد ولا معاند"[3].
ولذلك توجه إليها حسان بجيوشه والتقى معها عند وادي "مسكيانه". ورغم ما تقوله النصوص التاريخية من أن الجيش الإسلامي كان في أعلى الوادي "أي في مركز استراتيجي جيد"، وأن جموع البربر كانت في أسفله فإن القتال المرير انتهى بهزيمة حسان هزيمة منكرة أدت إلى ضياع كل "إفريقية" وراتداد المسلمين إلى حدود مدينة [1] الكامل "4/ 135". البيان المغرب "1/ 34-35". [2] المصدران السابقان، إضافة إلى: رياض النفوس للمالكي، ص"32". [3] البيان المغرب "1/ 35". وراجع: المسلمون في المغرب والأندلس، للدكتور محمد محمد زيتون، ص"53"، التطور السياسي للمغرب، للدكتور طاهر راغب، ص"64".