"قابس"1 "راجع موقع قابس على الخريطة". ويصف المؤرخون هذا اللقاء بأن الفريقين "اقتتلوا قتالا شديدا، فعظم البلاء، وظن المسلمون أنه الفناء، وانهزم حسان بعد بلاء عظيم، فاتبعته "الكاهنة" بمن معها حتى خرج من حد قابس، فأسلم إفريقية، ومضى على وجهه، وأسرت من أصحابه ثمانية رجال، وقيل: ثمانين رجلا". وقد سمى الوادي الذي وقعت فيه المعركة بـ "وادي العذارى" لكثرة من قتل فيه من زهرة شباب المسلمين[2].
وعلى إثر هذه الهزيمة استرد الروم عاصمتهم "قرطاجنة"، وكان استردادهم لها متسما بالقسوة والعنف، فقد أعدوا أسطولا كبيرا بقيادة البطريق يوحنا، وهاجموا المدينة "سنة 78هـ/ 697م"، وتمكنوا من الفتك بالحامية العربية الموجودة فيها، حتى ليقال: إن قائد الحملة كان يباشر قتل المسلمين بيده[3].
وقد كتب حسان إلى الخليفة بخبر هذه الهزيمة وما ترتب عليها، وكان مما قال: "إن أمم المغرب ليس لها غاية، ولا يقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم، وهي من الحفل والكثرة كسائمة النعم". فعاد الجواب يأمره أن يقيم حيث وافاه، فورد عليه فيه "برقة"، فأقام بها، وبنى هناك قصورا عرفت بصورة حسان[4]. وهكذا اضطر المسلمون إلى التخلي عن فتوحهم في المغرب للمرة الثالثة خلال عشر سنوات فقط "من 65- إلى 74هـ"، وتطلب الأمر إلى خمس سنوات طوال لاسترجاع البلاد التي سادتها تلك المرأة الكاهنة.
الجولة الثانية: النصر والتمكين النهائي
تأخر وصول المدد من الخليفة لمدة تصل إلى خمس سنوات، وقيل: ثلاث سنوات، وهي مدة طويلة جعلت الكاهنة صاحبة الشأن في تصريف شئون "إفريقية". وكان مما فعلته -وأجمع عليه المؤرخون القدامى- أنها اتبعت ما يسمى "حرب الأرض المحروقة"، وهي سياسة حربية تقوم على التخريب، وترك الأرض خرابا
1 تقع مدينة "قابس" على بعد "250" كيلو متر من "طرابلس". [2] رياض النفوس للمالكي، ص"32"، وراجع البيان المغرب "1/ 36"، والكامل "4/ 135-136". [3] راجع: فتح العرب للمغرب للدكتور حسين مؤنس ص"254"، حركة الفتح الإسلامي، لشكري فيصل، ص"174". [4] البيان المغرب "1/ 36".