عليهم قائدا من قواده المشهورين بحسن القيادة والكفاءة وقوة الإخلاص، هو مولاه طارق بن زياد" وهو -في أصح الآراء- بربري من قبيلة "نفزة"[1].
ومن الغريب أن يكون الجيش الذي أعده للحملة مكونا كله من البربر باستثناء عدد قليل من العرب "لا يزيد على الثلاثمائة". وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الفتوح الإسلامية يتولى فيها جيش كامل من المغلوبين فتح قطر من الأقطار الكبرى كالأندلس. ويدل هذا على أن بربر المغرب قد حسن إسلامهم، وأصبحوا على هذا النحو يؤلفون القوة الكبرى التي اعتمد عليها موسى بن نصير في فتح الأندلس عسكريا. ويبدوا أن البربر كانوا أكثر معرفة من العرب ببلاد الأندلس، فالمغرب والأندلس يؤلفان وحدة جغرافية وتاريخية في آن واحد[2].
عبر طارق بن زياد بجيشه من "سبتة" "أو من "طنجة"" إلى الطرف الآخر من المضيق في الخامس من شهر رجب -أو في شعبان- "عام 92هـ/ 711م"، في السفن الأربعة التي كانت ملكا ليلان ووضعها في خدمة المسلمين[3]. وذكر المؤرخ ابن عذارى أن "يليان كان "يحمل أصحاب طارق في مراكب التجار التي تختلف إلى الأندلس، ولا يشعر أهل الأندلس بذلك، ويظنون أن المراكب تختلف بالتجار، فحمل الناس فوجا بعد فوج إلى الأندلس[4]. ولا شك أن موسى استعان في العبور ببعض قطع من أسطوله الإسلامي الذي أنتجته دار الصناعة بتونس[5]، والقول بأن القيام بعملية فتح إقليم كبير مثل الأندلس يمكن أن يفي بحاجته استعارة سفن قول بعيد، فمن الراجح تماما أنه كانت للمسلمين سفنهم، استعملها جيشهم في هذا الفتح[6]. [1] البيان المغرب ج1 ص43، ص5، نفح الطيب "1/ 254". [2] السيد عبد العزيز سالم: تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس "ص71". [3] أخبار مجموعة "ص6". [4] ابن عذارى: البيان المغرب "ج2 ص6". [5] هي دار الصناعة التي أقامها حسان بن ثابت لصناعة السفن اللازمة لمدافعة الروم في البر والبحر والإغارة على بلادهم. وبهذه السفن بعث موسى بن نصير قائده "عياش بن أخيل" إلى صقلية فغزاها "تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس "ص72"، وراجع: البيان المغرب "ج1 ص42". [6] راجع: التاريخ الأندلسي لعبد الرحمن الحجي "ص47-49".