وكان قدم به أبوه من قريته بابل من أعمال مصر إلى القاهرة وهو صغير دون التمييز وسنه دون أربع سنين، وأتى به إلى خاتمة الفقهاء الشمس الرملي وهو منقطع في بيته، فدعا له بخير ودخل في عموم إجازته لأهل عصره، ولما ترعرع لزم النور الزيادي والشيخ علي الحلبي، والشيخ عبد الرؤوف المناوي. وأخذ العربية والحديث وغيرهما عن البرهان اللقاني، وأبي النجا سالم السنهوري، والنور علي الأجهوري المالكيين. وأخذ علم الأصول والمنطق والمعاني والبيان عن الشهاب الغنيمي والشهاب بن خليل السبكي والشهاب ابن الشلبي، وخاله الشيخ سليمان البابلي والشيخ صالح بن شهاب الدين البلقيني. ومشايخه في العلوم الشيخ حجازي الواعظ، والشيخ أحمد بن عيسى المطلبي، والجمال يوسف الزرقاني، والشيخ عبد الله بن محمد النحريري، والشيخ سالم الشبشيري، والشيخ موسى الدهشيتي والشيخ محمد الجابري، والشيخ عبد الله الدنوشري، والشيخ سيف الدين البعيد المقرئ، والشيخ أحمد السنهوري.
وكان مواظبا على التهجد، وكان مواظبا على التدريس والنفع التام. قيل: إن الشيخ يحيى بن عمر المنقاري شيخ الإسلام يقول: كنت وأنا قاضٍ بمصر وجهت إلى البابلي تدريس المدرسة الصلاحية بعد موت الشمس الشوبري وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية، وقال: وكتبت تقريرها وأرسلتها إليه فجاء إلي وامتنع من قبولها جدا مع الإقدام عليه مرات، وادعى أنه لا يعرف نفسه أنه أعلم علماء الشافعية. قال: فقلت: حينئذ: تنظر لنا المستحق لها من هو حتى نوجهها؟ فقال: اعفني من هذا أيضا وانصرف.
وأخذ عنه جماعات لا يحصون، فممن أخذ عنه من أهل القاهرة الشيخ منصور الطوخي، والشيخ أحمد البشبيشي، والشيخ محمد بن خليفة الشوبري. ومن أهل الشام الشيخ عبد القادر الصفوري، والشيخ محمد البطنيني، والشيخ محمد بن علي المكتبي. ومن أهل مكة الشيخ محمد بن عبد الرؤوف، والشيخ عبد الله بن طاهر العباسي، والشيخ علي الأيوبي، والشيخ علي بن أبي البقا، والشيخ إسكندر المقرئ، والشيخ سعيد بن عبد الله باقشير، والشيخ عبد المحسن القلعي، والشيخ إبراهيم بن محمد الزنجبيلي، والشيخ علي باحاج. ومن أهل المدينة الشيخ إبراهيم الخياري. وحصل له عارض في عينيه أذهب بصره قبل انتقاله بنحو ثلاثين سنة، وكان إذا طالع له أحد حثه على الإسراع بحيث أن السامع لا يفهم ما يقرأه القارئ، وإذا توقف القارئ في محل سابقه بالفتح عليه، حتى كان يحفظ ذلك الكتاب عن ظهر قلب، وكان كثير العبادة يواظب على قراءة القرآن سرا وجهرا. وكان راتبه في كل يوم وليلة نصف القرآن، ويختم يوم الجمعة ختمة كاملة. وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن، ولا يفارقه خوف الله في جميع الأحيان.
وكانت ولادته سنة ألف. وتوفي عصر يوم الثلاثاء خامس عشري جمادى الأول سنة ألف وسبع وسبعين.
هذا وقد حضرته في دروسه في مكة سنة خمس وخمسين وألف في العقائد، ودروسه في البخاري في الجامع الأزهر في مجالس عديدة سنة إحدى وسبعين وألف. ودخلت في عموم إجازته. وله الحمد.
الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل النابلسي
ومنهم شيخنا إسماعيل النابلسي بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم نابلسي الأصل دمشقي المولد، العلامة الفقيه الحنفي، كان إماما فقيها مفسرا محدثا، نبيها متيقظا، حافظا فطنا ذكيا، أديبا مربيا، يحفظ التفسير ويمليه إملاء من حفظه من غير كراسة، محررا مدققا له المعرفة بالتاريخ والأدب، وله كثرة المودة والصحبة الأكيدة مع والدي مع رفعة الكلفة بينهما في كثرة التزاور وتردد كل منهما إلى دار الآخر. له مصنفات منها كتاب الإحكام شرح الدرر. وبعد أن كان شافعيا عدل إلى مذهب أبي حنيفة، قرأ على الشيخ محمود الكردي وعمر القاري والشرف الدمشقي والعمادي المفتي، وأخذ عن النجم الغزي، وألقى الدروس في الجامع الأموي مرارا، وقرأ المواهب اللدنية والتفسير، وأخذ عن الشهاب الشوبري الحنفي والشيخ حسن الشرنبلالي، وأعطي تدريس السليمية بصالحية دمشق وقرأ فيها الدروس التفسير في البيضاوي بحضور جمهور أهل دمشق من علمائها مع المباحثة والمناظرة.
ولد سنة ألف وسبع عشرة، وتوفي ليلة الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وألف. ودفن بمقبرة باب الصغير بالمدفن المعروف بهم بالقرب من جامع الجراح.