نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 131
لم تبعد فيه أرضي عن أرضه، ولم نأل فيه من القيام بنفل الودِّ وفرضه.
ولم يتنسم أحدنا أخا، إلا هبَّ الآخر معه رَخا.
وهو ممن خلصت ذاته خلوص الذهب عن اللهب، وتميَّزت بما أحرزت من نسبٍ شريف وحسب، ونشب تليدٍ ومكتسب.
شمَّر في الطلب عن ساق، وأبدى بدائع ذا حسنٍ واتِّساق.
وله براعةٌ تعرب عن لسانٍ ذليق، وذهنٌ متوقِّدٌ يزيِّنه وجهٌ طليق.
وفضلٌ يستغني عن المدح، وشعرٌ يعلِّم الحمامة الصَّدح.
قد استخرجت له ما هو كالروض المعطار، تضحك ثغور نواره عن بكاء الأمطار. فمنه قوله، وأنشدنيه من لفظه:
أوَّاه من ذلك الخِشف الذي سنحَا ... من أكسَبْ المستهام المُبتلى بُرَحا
لم أنسَ إذ مرَّ مُختالاً بقُرطَقِهِ ... من دونه ذلك القدِّ الذي رجحَا
يزور لحظاً بطرفٍ زانَه حَوَرٌ ... فكم طريحٍ على فرشِ الضَّنى طرحَا
وكم دواعِي الهوَى من كلِّ جارحةٍ ... تستخبِر القلبَ عنَّا أيَّةً جَنَحَا
وبعث إلي بهذه الأبيات، وكان وافاني يوماً لم يجدني في بيتي:
يا ماجِداً حازَ السِّيادة يافِعا ... وغدا بأثوابِ البراعة يرتدِي
من مُذكري عهدَ الشَّبيبة والصِّبا ... والعيشَ مع وصل الحسانِ الخرَّدِ
كم مرةٍ قد جئتُ نحوَ حِماكُمُ ... كي أن أفوز برؤية الوجهِ النَّدِي
فلِسوءِ حظِّي لم تجدكُم مقلتِي ... فرجعتُ من ذاك الحمى صِفرَ اليَدِ
فكتبت إليه:
مولاي من دون الأنامِ وسيِّدي ... بلَّغتنِي بالسَّعيِ أسنَى سُؤدُدِ
قد جئتنِي والبيتُ مني مُقفِرِ ... من سوءِ حظِّي في الزَّمان الأنكَدِ
هي عادةُ الأيَّام أرجو صاحِباً ... فيصدُّه قدرٌ عليَّ بمرصَدِ
وإذا أبيْتُ فتًى وعِفتُ دُنُوُّه ... ألفيْته نفَسِي يروح ويغْتدِي
وأنشدني من لفظه لنفسه:
كلما رُمتُ خلاصاً من هوَى ... ظَبْيِ إنسٍ حَبَّةَ القلبِ ملَكْ
قال لي حُسنُ هَواه كم له ... من شَجٍ مثلك مُلقًى في الفلَكْ
وأنشدني قوله:
قلتُ إذا جاءَ صاحبِي ... يشْتكي حُرقةَ النَّوَى
كيف شَكواك إننا ... كلُّنا في الهوَى سَوَا
وهذا المصراع قد أكثر الناس من تضمينه، وأشهر تضامينه قول بعضهم:
قُل لمن جاءَ يشْتكِي ... باهتمامٍ من الهوَى
لا تَفُهْ بالذي جرَى ... كلُّنا في الهوَى سَوَا
وأنشدني قوله في أرمد:
لا تحسَبوا حُمرةً في مُقلتِي رمَداً ... قد مسَّها بل لأمرٍ زاد في سقَمِي
فإنها نظرتْ شَزْراً لوجنةِ مَن ... هواه حلَّ فؤادِي فاكْتستْ بدَمِ
منه قول يوسف العمراني:
لا تنكروا رمَدِي وقد أبصرتُ مَن ... أهْوى ومن هو شمسُ حسنٍ باهرِ
فالشمسُ مهما إن أطْلت لنحوِها ... نظراً تؤثِّر ضعفَ طرفِ الناظِرِ
ولقد أطلتُ إلى احمِرارِ خدودِه ... نظرِي فعكسُ خيالِها في ناظِرِي
وقوله:
رمدتْ جفوني عندما فارقتُ مَن ... قد كان كُحلاً في نواظِر عبدِهِ
وسرقتُ حمرةَ ناظرِي وسَقامَه ... عند النَّوَى في مُقلتيْهِ وخدِّه
وأنشدني قوله:
أقول لفتَّاكِ اللَّواحظِ أهْيفٍ ... يصيد لِحبَّات القلوب من الهُدْبِ
وصُحْبتُه شخصٌ بَذِيٌّ مُذَمَّمٌ ... يسوء بمَرآه العيون مع القلبِ
حبيبيَ ما هذا القرِينُ فقال لي ... ولا بدَّ للصَّيادِ من صُحبةِ الكلبِ
وكأنه وقف على ما ذكره المقريزي من أنه ثار بمصر في بعض الأحايين ريحٌ شديدة، سقط منها حجرٌ من بعض عضائِد جامع الحاكم، فقلب الحجر، فوُجد عليه هذه الأبيات، وهو لغزٌ عجيب، رقيق لفظه:
إن الذي أسررتُ مكنونَ اسمِهِ ... وكتمتُه كيْما أفوزَ بوصلِهِ
مالٌ له جذرٌ تساوَى في الهِجَا ... طرفاه يُضرب بعضه في مثلِهِ
فيصير ذاك المالَ إلاَّ أنه ... في النصف منه تُصاب أحرُفُ كُلِّهِ
نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 131