نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 193
فسألتُه في المُسايرة والمُنادمة وحَثَثْتُه على المسامرة والمكالمة.
فأسفر وجهه عن شموس الفرح، ونال ابتهالا وابتهاجاً بنسمات المسرة والمرح.
وقال: مرحبا بقولك المسوع، ورأيك الذي اتفقت عليه الجموع.
لِدَواعِي الهوى وحكمِ الخلاعَةْ ... ألفْ سمعٍ لا للوقارِ وطاعَهْ
فسرنا حتى أتينا منتزها رحب الأكناف، متناسق النعوت والأوصاف.
نسيِمُه يعثر في ذَيْلِه ... وزهرُه يضحكُ في كُمِّهِ
فوجدناه ذا ظل ظليل، وماءٍ أعذب من السلسبيل.
أشجاره ثابتة، وأغصانه نابتة.
نَهْرُه مسرعٌ جرى وتمشَّتْ ... في رُباهُ الصَّبا قليلاً قليلاَ
تصدح حمائمه وتسرح نسائمه، وتنفح كمائمه.
ولي من الوُرْق في أوْراِقها طَرَبٌ ... كأنَّهن على العِيدانِ قَيْناتُ
فصعدنا منه إلى قصر مشيد، متزخرف الجوانب بألوان الأطلية وأنواع الشيد.
فيه الغرف الرفيعة ذات التزيين، والمقاصير المصنوعة لقاصرات الطرف عين.
وإيوان يقول لمن يراه ... على قَدْرِي وفوق الكُلِّ أُشْرِفْ
ألم ترَ أن طيرَ العِزِّ أضحى ... يحُوم بساحَتِي وعلىَّ رَفْرَفْ
وقد طلت شبابيكه على تلك الأرجاء المونقة، والجداول المتدفقة.
وأرضه مفروشة بأفخر الوشى والديباج، وقد أطلقت فيه مباخر الطيب فزاد في الابتهاج.
حوَى عجباً لم يحْوِه قطٌّ مجلسٌ ... على أنه في الحسنِ أُعْجوبةُ الدهرِ
فجلست أنا وصاحبي على تلك الأريكة الممنوعة، والفرش المرفوعة.
نتناشد الأشعار، ونتشبث بأذيال الأفكار.
وحديثه السحرُ الحلالُ لَوَ أنَّه ... لم يجْنِ قتلَ المسلمِ المتحرِّز
إن طال لمُ يمْلَلْ وإن هي أوْجزَتْ ... وَدَّ المحدَّثُ أنها لم تُوجزِ
ولم نزل رافلين في غلائل المسرة، ومتنعمين بلطائف الأنس على أوج هاتيك الأسرة.
حتى عدنا وقد شمرت لمغيبها الذيل، واصفر وجهها خوفاً من هجمة عساكر الليل.
الشمسُ هاربةٌ للغَرْبِ دارِعةٌ ... بالنَّبْل مصفَرَّةٌ من هَجْمة الغَسَقِ
وقد ظهر الهلال في حمرة الشفق، كحاجب الشائب أو زورق الورق.
لا تظنَّ الظلام قد أخذ الشَّمْ ... سَ وأعطى النهار هذا الهلالاَ
إنما الشرقُ أقْرضَ الغربَ دِينا ... راً فأعْطاه رَهْنَه خَلْخالاَ
وبينا أنا راجعٌ مع صاحبي في أخريات الطريق، وإذا برفيقٍ لي وهون على الحقيقة رفيق.
فاعترضني وقال لي: أين كنت، ومن أين توجهت.
فقلت له: كنت مع صاحبي، الذي هو هذا اليوم مصاحبي.
في منتزه، وهو فضاء الأرض، ذات الطول والعرض.
وصدَقْتُه في كل ما حاولْتُه ... مما تقدَّم في الكلامِ الأوَّلِ
وغيم ذلك الفضا هو الظل الظليل، وغيثه المنهمر هو الأعذب من السلسبيل.
وأشجاره هي حبال الأمطار، وحمائمه الصادحة أصوات الرعد في جوانب الأقطار.
وكمائمه حب البرد، ونسائمه المعلومة فيما ورد.
وما ذلك القصر الموصوف، سوى جبتي هذه وثوبي هذا الصوف.
والشبابيك جيوبه، وأطواقه، ولا عجب أن نفحت فيه مباخر الطيب فإنها قراطيسه وأوراقه.
وبالقياس على هذا تأويل ما بقي من العبارات السابقة، والإشارات المتلاحقة.
وبذلك انتهى الكلام، وتم ما قصدناه من الدعابة والسلام.
والدعابة التي أطلعه عليها هي هذه:
لابُدّ للنفس أحياناً إذا سئمتْ ... أن تسْتريحَ إلى الآدابِ والمُلَحِ
فَخُضْ بها من أحاديث النِّدام إذا ... أعْيَتْ مذاهبُها في كلِّ مُقْتَرَحِ
وهاهنا نزعة يختلف إليها النديم، ويعتلق بها الطبع السليم.
وذلك أني طفت الجنان، وبلوت الفروع والأغصان.
فلم أر مثل نبعة، في خير بقعة.
حسنة البزة، يانعة الهزة.
دوحها مغنٍ، وطيرها مرن.
يُطارحني من بينهن ابنُ أيكَةٍ ... هتوفُ الضُّحى بعد العشيَّةِ مِرْنانُ
أُجاذبُه هُدْبَ الغرامِ وفي الحشاَ ... نَزُوعٌ إلى ذكْرِ الأحبَّة حَنَّانُ
فأسمعني خطابه، وفرغ لي وطابه.
فقلت: ما هذا الفنن، وعلى م هذا الشجن.
فقال: أما الفنن فمنصة، وأما الشجن فعن غصة.
فتلكأت عنه تلكأ الشاك، وقلت: ومن وشاك.
نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 193