responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين    جلد : 1  صفحه : 30
قلت: وفي هذه الحكاية تسليةٌ للشيخ الذي رضاه قريب الغاية، وتلافيه لا يحتاج لشدة عناية، لوجود الكفاية. لأنه ربما يكتفي في الهدية، ببلغةٍ حامدية أو أحمدية. فيغسل طمعه رطل صابون، ويدفع عطشه وعد الكمون، وهو حرٌّ قانعٌ بالدُّون.
وله من رسالة كتب بها إلى أبي العباس أحمد المقري، ذلك الإمام اللوذعي العبقري، يذكر فيها موت ولدٍ له صغير: لا أوحش الله مولانا الأستاذ مما سيعرض على سمعه من عُجَري وبُجَري، ومن حديثي وغريب سمري. وهو أن الله سبحانه وله الحمد، قد جعل رونق معاشي، وريحانة فؤادي من غير تنفيس مهلةٍ ذخر معادي، ومشرد رقادي.
وقد مات للحجاج ولد، وكان بيضة البلد. فصعد متن المنبر، وحمد الله وشكر وأكثر.
ثم قال ويده على كبده، من حرِّ ما يجدِهِ: الحمد لله الذي يقتل أولادنا ونحمده.
ونظر أبو الحارث، وكان مشوه الخلق في المرآة، فقال: الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه سواه. وها أنا يا سيدي، أحمد الله سبحانه، وقد فقدت جزء نفسي، وفلذَة كبدي، وشطر روحي، ونور عيني. وما أسفي إلا على ما سمَّاه الشيخ باسمه، ووسمه بوسمه. وأرَّخ مولده، وحمد مصدره ومورده. وقد عراني بسببه الذُّهول، وأنا في سنِّ الكهول. ولولا ذاك لما أغفلت خدمة سيِّدي إلى الآن، من رسالةٍ أستجلب بها شرفاً طارفاً، كما استفدت في الفوز بخدمته مفخراً سالفاً.
وله من رسالة إلى بعض حواشيه، يعاتبه على نقيصةٍ قذف بها بحر واشيه: اعلم، أصلحك الله، أن خبر السوء ينمو ويربو، ويبلغ متراكماً متضاعفاً، ويصل متواتراً مترادفاً. ثم إنه في السرعة يقطع مسافة سنةٍ في جمعة، وذلك أنَّ الشرَّ أغلب في الطباع، والهوى كما يعلم به القاضي شفيعٌ مطاع.
والنَّفس أقرب إلى العقوق، ولإضاعة الحقوق. والعقرب، إلى الشرِّ أميل. والأفعوان، بعيد من مراتب الإحسان.
ومن وزن الميزان في غير ميزانه، عوقب بنقصانه، وعدم رجحانه. ولعمري لولا أن الخبر يحتمل سامرين، ويتردَّد بين شفتين. لأوجعت القاضي عتباً، ونهبت أديمه نهباً، وأخذت كلَّ سفينةٍ غصباً. كأنَّ القاضي سمع قولهم:
إذا أنت لم تنفع فضُرَّ فإنَّما ... يراد الفتى كيما يُضَرُّ وينفعُ
فعمل بمعناه، وتمسك بفحواه، ونسي أُولاه وأُخراه.
قال الصاحب لأبي سعد الرُّستمي حين جفاه:
فلعلَّ تيماً أن تُلاقي خطَّةً ... فتروم نصراً من بني العوَّامِ
القاضي، وإن كان يحتاج إلى ما هو أوضح في العتاب، من هذا الخطاب. تقريباً لفهمه، وتوضيحاً لعلمه. ولكن هو كما قال أبو الطيب:
وكلمةٍ في طريقٍ خفتُ أُعربها ... فتهتدي لي ولم أقدر على المحنِ
وإنما نهجت على سَنَني في البلاغة، وسبيلي في الخطابة والكتابة. وهو أصلحه الله تعالى على سَنَنِه في الجفا، وقلِّة الوفا، ووقوفه من الصِّدق في الصَّداقة على شفا، وحسبي الله تعالى وكفى.
وكان بينه وبين أبي الطَّيِّب الغزِّي مودَّة ومصافاة، ثم أعقبها مقاطعة ومجافاة. فكتب إليه هذه الاعتذارية النابغة، وهي كما تراها تهزأ باعتذارات النَّابغة. ومطلعها:
ألمَّت أيادي الخطب سائمة العتب ... على أنها العُتبَى تكون لذي الحبِّ
يقول فيها:
لأية حال يا ابن خيرِ أرومةٍ ... أُذاذد عن العذب الزُّلال بلا شربِ
وأشرب صاب الدَّمع يطفو أجاجُه ... لبُعدك والأعداءُ واردةُ العذبِ
منها:
فيا ليت شعري والأماني تعلُّلٌ ... وروض المنى ينبيك عن وابلٍ رطبِ
متى أردِ الإسعاف في منهل الرِّضا ... وأعتاض عن نزر المودَّة بالسَّكبِ
وقد كنت آتي في السَّلام تتابعاً ... فلم صرت أرضى في الزِّيارة بالغَبِّ
ولو أنَّني واقعت عمداً جريرةً ... لما كان بدعاً منك داعية السَّبِّ
ولكنني والله أعلم لم أكن ... لأقطع أوصال المحبَّة كالإربِ
ولم أستثر حرب الفجار ولم أُطع ... مسيلمةً إذ رام آلفة الحجبِ
ولم أعتقد أن الخلافة فلتةٌ ... بعهد أبي بكرٍ ولا كان من دأبي
ولم أرم فاروق العدالة غيبةً ... وقد طلبت منه النَّجيبة بالكذبِ

نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين    جلد : 1  صفحه : 30
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست