نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 433
ما يصاب بهذا التعبير؟ وهذه العقلية الصوفية والمشخصة التي كاد يقضي عليها في لغاتنا الكبرى المشتركة، ألن تعود لها قوتها لتشكل لغاتنا من جديد وفقا لها وتفرض عليها عاداتها؟ وماذا تصبح إذن اللغة الفرنسية؟ لا أكثر ولا أقل من لغة قوم تخلفوا عن الحضارة. ستسلك طريقا مضادا للطريق الذي سلكته من قبل والذي أدى بها إلى حالتها الراهنة, ستنتقل من التجريد إلى التعبير بالمشخصات، وستمتلئ بالفصائل الصوفية والذاتية. هل سيكون هناك ما يدعو إلى تقدم اللغة أو أنها تدور حول نفسها وتتأخر عما هي عليه؟ لا هذا ولا ذاك، على الأقل وفقا لوجهة النظر اللغوية, وليس لنا أن نقيم وزنا للمزايا أو الأضرار، التي تعد نسبية، لتغير حضارة من الحضارات، حتى ولا للعودة إلى ما يسمى التبرير, وليس لنا الحق في أن نعد لغة من اللغات عقلية ومجردة في مرتبة أعلى من لغة مشخصة وصوفية، لا لشيء إلا أنها لغتنا, إننا في مثل هذه الحالة نواجه عقليتين مختلفتين لا تعدم كل منهما أن تكون لها مزاياها, ولا شيء يدل على أن أهل سريوس لا ينظرون إلى عقلية المتحضر كما لو كانت مرادفة لفساد النوع.
ومن هذا، نرى كيف ينبغي لنا أن ندرك افتراض التقدم اللغوي, التقدم بالمعنى المطلق لا سبيل إليه كما لا سبيل إلى التقدم المطلق في الأخلاق أو في السياسة. هناك أوضاع مختلفة يتلو بعضها بعضا، وفي كل وضع منها تسيطر بعض قوانين عامة يفرضها توازن القوى الموجودة, وهذا ما يصيب اللغة. نستطيع أن نرى في تاريخ اللغات بعض تقدمات نسبية. فهناك لغات تتلاءم مع بعض حالات الحضارة إن قليلا وإن كثيرا. فالتقدم يتكون من أن اللغة تتلاءم وحاجات المتكلمين بها على خير وجه, ومهما يكن هذا التقدم حقيقيا، فإنه لن يكون نهائيا إطلاقا. إن صفات لغة من اللغات تظل قائمة طالما احتفظ أهلها بنفس عاداتهم في التفكير، وإلا فهذه الصفات قابلة للفساد والاندثار والضياع. ومن الخطأ أن نعد اللغة كائنا مثاليا، تتطور مستقلة عن البشر، وتتبع أغراضها الخاصة بها.
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 433