نام کتاب : دراسات في فقه اللغة نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 253
ثلاثين، كل منهما معروف محفوظ، وإن اجتزئ بحرف من أحدهما عن المادة الثلاثية لم يتعذر على الملم بهذه اللغة تقدير أصل تلك المادة قبل أن تختصر ويستعاض عنها بحرف ما. فلو ارتاب الباحث في عد الأمثلة السابقة من قبيل النحت؛ لعجزه عن تعيين المادة الثلاثية التي استعيض عنها بحرف أول أو أوسط أو آخر، ولتوهمه أن مثل هذا أقرب إلى الزيادة الصرفية السماعية، لما وسعه أن يرتاب في الشواهد التي تم فيها النحت بتأليف كلمة رباعية واحدة من كلمتين ثلاثيتين معروفتين التصقت أركانهما وتعين في المختزلة منهما الحرف "الركن" الذي يقوم مقامها كلها بجميع حروفها.
وانظر مثلًا إلى هذه الأفعال المزيدة بحرف واحد في أولها: بخذع، بزمخ، بلخص، بزعر، فابن فارس يرجع أن كلا منها منحوت من فعلين ثلاثيين اشتركا في حرفين واختلفا في الحرف الثالث، فكان هذا الحرف المختلف فيه باء في أحدهما وغير الباء في الآخر، وكان علينا أن نستنتج أن الفعل الثلاثي الذي في أوله باء قد غلب ببائه وحدها الفعل الثلاثي الآخر الخالي من الباء رغم اجتماع حروفه كلها وبقائها كلها؛ لأن ابن فارس إنما عد هذه الأمثلة المذكورة "مما جاء منحوتًا من كلام العرب في الرباعي أوله باء"[1]. وهكذا كانت الباء في الأمثلة جميعًا، أفعالًا وأسماء وصفات، هي الحرف البارز المعبر الذي يقوم في العربية مقام "السابق prefixe" في اللغات الإلصاقية Agglomerantes[2].
ولنتابع الآن صنيع ابن فارس في هذه الأفعال الأربعة التي ذكرناها، لنرى كيف نشأت صيغها الرباعية بهذه الطريقة الإلصاقية: أما بخذع فقد استعملوه في قولهم "بخذعت الرجل": أفزعته، وقد نحت من [1] المقاييس 1/ 329. [2] قارن بما ذكرناه في هذا الكتاب الفصل الأول ص45.
نام کتاب : دراسات في فقه اللغة نویسنده : صبحي الصالح جلد : 1 صفحه : 253