وإذا كان المتأخرون قد آثروا الجملة بطرف من الدراسة فقد قصروا كلامهم في ذلك غالباً على موقعها من الإعراب. أما دراسة الجمل من حيث توظيفها في المعاني والتعبير عنها فقد بعد أن يكون من خصوص النحو وموضوعه.
نشأة القياس واتساعه:
إذا عدنا إلى الأوائل من النحاة رأينا أن أول من عمل بالقياس من الأئمة هو عبد الله ابن أبي اسحاق الحضرمي (ت 117هـ) . فكان أقدم من انتهج القياس وارتاح إليه وأخذ بالأكثر والأغلب. ففي طبقات الزبيدي (25) : (قال ابن سلاّم: عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي كان أول من بعج النحو ومد القياس وشرح العلل) . ونحو من ذلك في نزهة الألباء (23) لأبي البركات كمال الدين بن الأنباري.
أما ما اشتهر واستفاض من أن أول خطة اتخذت لوضع النحو كانت لأبي الأسود الدؤلي الكناني (69هـ) كما جاء في مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي (ت 351هـ) والزبيدي في طبقاته (379هـ) وابن النديم في الفهرست (400هـ) وسوى ذلك، فيبدو أن هذه الخطة لم تكن تعدو عند التحقيق (نقط المصحف) . والمراد بذلك الاهتداء إلى ما اتخذ رمزاً للشكل في الرفع والنصب والجر. صوناً للسان من اللحن. وقد وفق الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في ضحى الإسلام، حين أشار إلى ذلك، وأيده فيه الأستاذ سعيد الأفغاني في كتابه (أصول النحو) حين قال: (والشكل أعود على حفظ النصوص من حدود النحو. ولعله أعظم خدمة قدمت للعربية حتى الآن) . فالدؤلي لم يعمد إلى تأصيل الأصول النحوية وتقعيد قواعدها فيما أسموه بـ (التعليقة) . ودليلنا على ذلك هو كتاب سيبويه نفسه، وهو دليل فاصل. فقد روى سيبويه في كتابه عن الخليل غالباً كما روى عن الأخفش الأكبر، وروى عن عيسى بن عمرو عن أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب. وروى عن عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي. لكنه لم يتجاوز الحضرمي إلى إمام قبله. فما الذي يعنيه هذا؟ أغلب الظن أن الحضرمي هو أول من وضع أصول النحو وقياسه فهو رأس البصرية.