وخلف الحضرمي أئمة أخذوا بالأكثر والأغلب وعولوا على القياس كعيسى بن عمر (149هـ) وأبي عمرو زبَّان بن العلاء (154هـ) ويونس بن حبيب (182هـ) . ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ) وهو يعد بحق عميد النحاة (فهو الذي بسط النحو ومد أطنابه وسبب علله وفتق معانيه.. واكتفى في ذلك بما أوحى إلى سيبويه من علمه. ولقنه من دقائق نظره ونتائج فكره ولطائف حكمته، فحمل ذلك عنه وتقلده، وألَّف فيه الكتاب الذي أعجز من تقدم وامتنع على من تأخر بعده) كما ذكره الزبيدي في (مختصر كتاب العين) . وقد شف عمل الخليل حقاً عن عبقرية نادرة فاختط للنحو نهجاً لغوياً سليماً، وألَّف في اللغة فكان فسيح الخطوة بعيد الغور، في معجمه الفريد كتاب العين، بل رصد الأصوات اللغوية وصفاتها فكان له فيها رأي متقدم حصيف، وتعلق بموسيقا الشعر وكشف عن لطافة الحس فاتخذ لأوزان الشعر ستة عشر بحراً.
ثم توالى الأئمة فجاء الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد (177هـ) فروى عنه سيبويه. وهو لم يعرف بأنه من أهل القياس والتعليل، فإذا عمد إليهما كان أدنى إلى خصوص اللغة ومراعاة سلامة المعنى في تعدد وجوه الإعراب.
وجاء سيبويه عمرو بن عثمان (180هـ) فطلع على الملأ بكتابه الفذ، يعوّل فيه على الأكثر والأغلب. ينهج طريق القياس والتعليل ويعلِّم البحث فيهما كما يعلِّم النحو. وقد اختلف سيبويه إلى مجلس أستاذه الخليل، وأقبل عليه وأطال التلقي عنه، فلفت نظر أستاذه فكان محل عنايته وموضع اختصاصه. استوفى سيبويه ما أُملي عليه رواية ورأياً وتعليقاً وشرحاً ففاضل ووازن وأحكم الرأي فأدى فأحسن التأدية وكان صادقاً فيما أداه.
وجاء الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (215هـ) وتضاربت فيه الآراء وتدافعت، وقد امتدحه الكوفية. والثابت أنه كان من الحفاظ النقلة، لكنه كان يتكسب بعلمه.. واشتهر قطرب محمد بن أحمد بكتابه العلل في النحو (206هـ) ، والمازني أبو عثمان بكتابيه علل النحو والتصريف.