والذي عندي أنه إذا أنعمنا النظر في كلام ابن مالك، ألفينا أنه يشير إلى كثرة تحويل (فاعل) إلى فعَّال ومفعال وفعول، من صيغ المبالغة، وقد أوجب ذلك أن تنوب منابه في تأدية عمله عند إرادة التكثير. فانظر إلى قول الإمام الأشموني (أي كثيراً ما يحوّل اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة بقصد المبالغة والتكثير) . أفلا تستوجب كثرة التحويل هذه دعوى القياس في اشتقاق صيغ المبالغة، كما استحقت قياس إعمالها!.
قال الشيخ محمد الخضر حسين في مقال آخر له في مجلة المجمع القاهري (2/54) : رجعنا إلى كتب الصرف فوجدنا كثيراً منها لا يتعرض لصيغة فعَّال من ناحية أنها قياسية أو سماعية، ولا يزيد على أن يذكر أنها صيغة تأتي بدلاً من اسم الفاعل للدلالة على المبالغة في معنى الفعل، ووجدنا طائفة يتعرضون لمجيء فعَّال ومفعال وفعول بدلاً من اسم الفاعل ويصفونه بالأكثر، كما قال الأشموني في شرح الخلاصة) . وأردف: (ووجدنا طائفة ثالثة تصرّح بأن الصيغ الخمس: فعَّالاً ومفعالاً وفعولاً وفعيلاً وفَعِلاً، المأخوذة من فعل متعد، قياسية. قال الشيخ الدنوشري: يُنظر هل التحويل إلى الخمسة المذكورة قياسي أو سماعي، أو قياسي في الثلاثة الأولى: فعال ومفعال وفعول، سماعي في الأخيرتين: فعيل وفَعِل، ثم قال: مذهب البصريين منقاسة في كل فعل متعد ثلاثي: نحو ضرب، تقول: ضَرّاب ومضراب وضروب وضريب وضرب) على ما جاء في حواشي ياسين على التصريح. فأنت ترى أن الإمام الدنوشري قد نبه على قياس الاشتقاق في صيغ المبالغة الخمس، بل جعل ذلك مذهب البصريين.
قال الشيخ محمد الخضر حسين في التعليق على كلام الإمام الدنوشري (وهذا النص يدل على أن صوغ فعَّال من الفعل المتعدي قياسي كسائر أبنية المبالغة) . ولكن ما وجه قول الإمام الدنوشري بقياس صوغ أبنية المبالغة الخمسة من كل فعل متعد، بل ما وجه دعواه أن هذا هو مذهب البصريين ولم يصرح به أحد منهم؟