لم يعرض الشيخ محمد الخضر حسين لهذا، على حين أشار أن كتب الصرف لم تصرّح بمثل هذا القياس، فما توجيه قول الإمام الدنوشري إذاً؟
أقول إن البصريين قد قالوا بقياس إعمال صيغ المبالغة الخمس، ومنهم من اقتصر على الثلاث الأولى منها. على أن أخذهم بالقياس في إعمال هذه الثلاث قد بُني على الكثرة في تحويل (فاعل) إليها، وإعمالها عمله. ولما ارتبط إعمالها بتحويلها، فقد أصبح الحكم بالقياس في إعمالها صراحة، مقتضياً الحكم بالقياس في تحويلها ضمناً. وكأن هذا ما حمل الدنوشري على أن يقول (مذهب البصريين منقاسة في كل فعل متعد ثلاثي نحو ضرب، تقول: ضرّاب ومضراب وضروب وضريب وضَرِب) .
ويسدد ما ذهبنا إليه أنهم كلما قالوا بقياس إعمال طائفة من صيغ المبالغة، مضوا في اشتقاق هذه الصيغ من فعل واحد. فانظر إلى قول ابن الحاجب في الكافية (وما صيغ منه للمبالغة كضرّاب وضروب ومضراب، وعليم وحَذِر) فقد قال ابن الحاجب بقياس إعمال الصيغ الثلاث الأولى، ومضى في اشتقاقها من (ضَرب) نفسه، فقال (كضرّاب وضروب ومضراب) ، على حين ذهب إلى إعمال صيغتي (فعيل وفَعِل) سماعاً، فاشتق كلاً منهما، من فعل، فقال (وعليم وحَذِر) . قال الرضي في شرح قول ابن الحاجب (2/202) : (أبنية المبالغة العاملة اتفاقاً من البصريين ثلاثة. وهذه الثلاثة مما حُوّل إليها أسماء الفاعلين من الثلاثي عند قصد المبالغة) . أفلا يعني إيراد الصيغ الثلاث من (ضرب) نفسه، القولَ بقياس تحويل (ضارب) إليها، أي اشتقاقها من (ضرب) ؟