كان الحريري من أشهر علماء العربية في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري وأوائل القرن السادس، وكان من فحول النقاد، وقد أثار نقده انتقاد الآخرين عليه، فقد تعقبه في مقاماته الإمام أبو محمد المعروف بابن الخشاب البغدادي فعاب كثيراً مما جاء في هذه المقامات. وانبرى لابن الخشاب هذا شيخ المحققين في عصره أبو محمد عبد الله ابن بري المقدسي المصري النحوي اللغوي في كتابه (اللباب في الرد على ابن الخشاب) ، فرد عليه معظم أقواله وفندها وانتصر للحريري بالبينات والبراهين.
ولم يفت ابن بري، وقد انتصر للحريري على ابن الخشاب واستفرغ في ذلك وسعه وبذل طوقه، أن يتعقب الحريري نفسه في كثير مما عاب به كلام الخاصة في (درة الغوّاص) . ومما أخذه ابن بري على الحريري إنكاره (اجتمع فلان مع فلان) . فقد جاء في (بحر العوّام) للشيخ محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي الحلبي: "ومن ذلك قولهم اجتمع فلان مع فلان، وصوّب الحريري أن يقال اجتمع فلان وفلان، دون أن يقال ذلك ... وقد تعقبه ابن بري فقال: لا يمتنع في قياس العربية أن يقال اجتمع زيد مع عمرو واختصم جعفر مع بكر، بدليل جواز اختصم زيد وعمراً، واستوى الماء والخشبة، وواو المفعول معه بمعنى مع مقدّرة بها، فكما يجوز استوى الماء والخشبة بنصب الخشبة كذلك يجوز استوى الماء مع الخشبة، هذا كلامه..". وجاء نحو من ذلك في شرح درّة الغواص لأحمد شهاب الدين الخفاجي: "في الحواشي لا يمتنع في قياس العربية أن يقال اجمتع زيد مع عمرو واختصم مع بكر، بدليل جواز اختصم زيد وعمراً واستوى الماء والخشبة.. فكما يجوز استوى الماء والخشبة كذلك يجوز استوى الماء مع الخشبة، واستوى في هذا مثل اختصم فإن المساواة تكون بين اثنين فصاعداً كالاختصام فإذا جاز في هذه الأفعال دخول واو المفعول معه جاز دخول مع كقوله استوى الحر والعبد في هذا الأمر".