والاستغناء بالمصاحبة عن العطف
قال الحريري أبو محمد القاسم في كتابه (درة الغواص) : "ويقولون اجتمع فلان مع فلان فيوهمون فيه، والصواب أن يقال اجتمع فلان وفلان، لأن لفظة اجتمع على وزن افتعل، وهذا النوع من وجوه افتعل مثل اختصم واقتتل، وما كان أيضاً على وزن تفاعل مثل تخاصم وتجادل يقتضي وقوع الفعل من أكثر من واحد، فمتى أسند الفعل منه إلى أحد الفاعلين لزم أن يعطف عليه الآخر بالواو لا غير، وإنما اختصت الواو بالدخول في هذا الموطن لأن صيغة هذا الفعل تقتضي وقوعه من اثنين فصاعداً، ومعنى الواو يدل على الاشتراك في الفعل أيضاً، فلما تجانسا من هذا الوجه وتناسب معناهما فيه استعملت الواو خاصة في هذا الموضع ولم يجز استعمال لفظة مع فيه لأن معناها المصاحبة وخاصيتها أن تقع في الموطن الذي يجوز أن يقع فيه من واحد والمراد بذكرها الإبانة عن المصاحبة التي لو لم تذكر لما عرفت. وقد مثل النحويون في الفرق بينهما وبين الواو فقالوا إذا قال القائل جاء زيد وعمرو كان إخباراً عن اشتراكهما في المجيء على احتمال أن يكونا قد جاءا في وقت واحد أو سبق أحدهما، فإن قال جاء زيد مع عمرو كان إخباراً عن مجيئهما متصاحبين، وبطل تجويز الاحتمال الآخر ... ". ويتبين مما تقدم من كلام الحريري أنه قد استمسك بمنطق النحو ولم يتزحزح عن الأصل أو يأبه لاستعمال الفصحاء أو نص المعاجم كقول الجوهري: "وجامعه على أمر كذا اجتمع معه"، وقد توفي الجوهري (393هـ) قبل نحو قرن وربع من وفاة الحريري، وقد كانت نحو (515هـ) . وما أظن الجاحظ وقد توفي (255هـ) قد انفرد بنحو قوله (يتلاقى مع المعارف) والمرزوقي، وقد توفي (421هـ) ، قد ابتكر نحو قوله (التقوا معي) وقد تكرر منه ذلك، فهل ثمة ما يُخرّج عليه استعمال هؤلاء الثقات في إسناد فعل المشاركة إلى واحد والاستغناء عن العطف فيه بأداة المصاحبة؟.