بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
اللَّهم إنا نحمدُك يا مصرِّف القلوب على مَزيد نعمتك، ومترادِف جُودك وكرمك، غَمَرْتَنَا بإِحسانكَ، الذى مَصدرهُ مجرَّدُ فضلِك، وشملتنا بُمضاعَفِ نعمِك وطَوْلِك؛ فسبحانَك تعالتْ صفاتُك عن الشبيهِ والمثالِ، وتنزهت أفعالُك عن النقصِ والاعلالِ؛ لا رادَّ لماضى أمرِك، ولا وصُولَ لقدْرِك حقَّ قدرك، ونستمطرك غيثَ صلواتك الهامِية، وتسليماتك الباهرة الباهية، على نبيك إنسان عين الوجود، المشتقّ من ساطع نوره كلُّ موجود[1]، محمد المصطفى من خير العالمين نسبًا، وأرفعِهم قَدْرًا، وأشرفِهم حسبًا، الذى صغَّر بصحيح عزمه جيشَ الجهالة، ومزّق بسالم حَزْمه شمْلَ الضلالةِ، وعلى آله مَظاهرِ الحِكَم، وصَحْبهِ مَصَادِرِ الهِممِ، الذين مَهّدوا بلفيف جمعهم المقرون بالسّداد سبيلَ الهُدى ومعالمَ الرَّشاد.
وبعدُ: فما انتظم عِقدُ علمٍ إلَّا والصَّرْفُ واسطتُهُ، ولا ارتفع مَنارُه، إلا وهو قاعدته، إذ هو إحدى دعائم الأدب، وبه تُعرف سِعَةُ كلامِ العرب، وتنجلى فرائدُ مفرداتِ الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وهما الواسطة فى الوصول إلى السعادة الدينية والدنيوية، وكان ممن تطلع لرشفِ أفاويقه، وتلطب جمع تفاريقه، طلبة مدرسةِ دار العلوم، فإنهم أحدقوا بى من كل جانب، وكان المطلاب فيهم أكثر من الطالب، فما وسَعني إلا أن أحفظ العلم ببذله، وألا أضنَّ به على أهله، فسرَّحت نواظر البحث فى فِجاجِ الكواغد، وبعثتها فى طلب الشوارد، فاقتفتِ الأثرَ، حتى أتت بالمبتدأ والخبر، ثم جعلتُ أميِّز الصحيح من العليل. وأُودِع ما أقتطفه من ثمار الكثير من السهل القليل، فجاء بحمد الله كتابًا تروق معانِيه، وتطيب مَجانيه، عباراتهُ شافيةٌ، وشواهدُه كافيةٌ،
1) هذه العبارة مخالفة للشرع ولكل جواد كبوة بل كبوات والأفضل أن نقول عبارةً غيرها رحم الله المؤلف وغفر له. آمين. ن