كان لذلك ضرب من التأثير زائد على القول والنطق بذلك دون الفعل، ولو أن رجلاً أراد أن يضرب لك مثلاً في تنافي الشيئين فقال: هذا وذاك هَلْ يجتمعان؟، وأشار إلى ماء ونارٍ حاضرَين، وجدتَ لتمثيله من التأثير ما لا تجده إذا أخبرك بالقول فقال: هل يجتمع الماءُ والنار؟، وذلك الذي تفعل المشاهدةُ من التحريك للنفس، والذي يجب بها من تمكُّن المعنى في القلب إذا كان مستفادهُ من العيان، ومتصرَّفهُ حيث تتصرَّف العينان وإلاّ فلا حاجة بنا في معرفة أن الماء والنار لا يجتمعان إلى ما يؤكده من رجوع إلى مشاهدة واستيثاق تَجْربة، وممّا يدلُّك على أن التمثيل بالمشاهدة يزيدك أُنْساً، وإن لم يكن بك حاجةٌ إلى تصحيح المعنى، أو بيان لمقدار المبالغة فيه، أنك قد تعبّر عن المعنى بالعبارة التي تؤدِّيه، وتبالغ وتجتهد حتى لا تدع في النفوس مَنْزَعاً، نحو أن تقولَ وأنت تصفُ اليوم بالطول: يومٌ كأطْول ما يُتوهَّم وكأنّه لا آخرَ له، وما شاكل ذلك من نحو قوله:
في لَيْلِ صُولٍ تَنَاهَى العَرْضُ والطُّولُ ... كأنَّمَا ليلُهُ باللَّيْل مَوْصُولُ
فلا تجد له من الأُنس ما تجده لقوله:
ويَومٍ كَظِلِّ الرُّمْح قَصَّر طُولَهُ