على أن عبارتك الأولى أشدُّ وأقوى في المبالغة من هذا فظِلّ الرُّمح على كل حال متناهٍ تُدرك العينُ نهايته، وأنت قد أخبرت عن اليوم بأنه كأنه لا آخرَ له، وكذلك تقول: يومٌ كأقصر ما يُتصوّر وكأنَّه ساعةٌ وكَلَمْحِ البَصَرِ وكلا ولاَ، فتجد هذا مع كونه تمثيلاً، لا يُؤْنسك إيناسَ قولهم: أيامٌ كأباهيم القَطَا، وقول ابن المعتزّ:
بُدِّلتُ من ليلٍ كظِلِّ حصاةِ ... لَيْلاً كَظلِّ الرُمح غيرَ مُوَاتِ
وقول آخر:
ظَلِلْنَا عند بابِ أبي نُعَيْمِ ... بيومٍ مِثْلِ سَالِفةِ الذُّبابِ
وكذا تقول: فلانٌ إذا همَّ بالشيء لم يُزل ذاك عن ذكره وقلبه، وقَصَرَ خواطره على إمضاء عزمه، ولم يشغَله شيء عنه، فتحتاط للمعنى بأبلغ ما يمكن، ثم لا ترى في نفسك له هِزَّة، ولا تُصادف لما تسمع أرْيحيّةً، وإنما تسمَعُ حديثاً سَاذجاً وخبراً غُفْلاً، حتى إذا قلت:
إذا هَمَّ أَلْقَى بَيْنَ عَيْنيه عَزْمَهُ