أمّا التعقيد اللفظيُّ ففي الغالب يؤدّي إلى الإِلْغازِ، أو الغموض، أو التشويش، أو الدلالة على معانٍ غَيْرِ مرادةٍ.
والكلام الْمُعَيبُ بعَيْبِ "التعقيد اللّفظي" مرفوضٌ غَيْرُ مقبولٍ عند أهل البيان، لأنّه يُفْضِي إلى اختلال المعنى المراد واضطرابه، وذلك مُبَاينٌ للفصاحة الّتي تقومُ على الإِبانةِ وتوضيح المعاني المرادة.
قال العتّابي: "الألفاظُ أَجْسَادٌ، والْمَعَانِي أرواح، وإِنّما نَراها بَعَيْنِ القُلُوب، فَإِذا قَدَّمْتَ مِنْهَا مُؤَخَّراً، أَوْ أَخَّرْتَ مِنْهَا مُقَدَّماً، أَفْسَدْتَ الصُّورَةَ، وغَيَّرْتَ الْمَعْنَى، كَمَا لَوْ حُوِّلَ رَأْسٌ إلى مَوْضِعِ يَدٍ، أَوْ يَدٌ إلَى مَوْضِعِ رِجْلٍ، فإنَّ الْخِلْقَةَ تَتَحَوَّلُ، والْحِلْيَةَ تَتَغَيَّر".
قالوا: والفرزدق أكثر من استعمل التعقيد اللفظيّ في شعره، وكأنَّه كان يَقْصِدُ إلى ذَلِكَ، لأنّه لا يجري على لسانِ عربي إلاَّ متكلَّفاً مَصْنُوعاً، والفرزدقُ عربيٌّ أصيلٌ لا يشكو من عجمة حتّى تؤثّر عليه.
الأمثلة:
(1) من أمثلة التعقيد اللّفظيّ قول الفرزدق، يمدحُ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خالَ هشام بن عبد الملك:
وَمَا مِثْلُهُ في النَّاسِ إلاَّ مُمَلَّكاً ... أَبُو أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوهُ يُقَارِبُهُ
أي: وما مِثْلُ إبراهِيم في النَّاسِ حيٌّ يشبهه في فضائله غير مَلِكٍ أَبُو أُمِّهِ أبوه.
أصْلُ ترتيب الكلام: وما مثله في الناس حيٌّ يقاربُه إلاَّ مملَّكاً أَبُو أُمِّهِ أَبُوه، فقَدَّمَ وأَخَّرَ في الكلمات، فألْغَزَ إلْغازاً سَيِّئاً.