وصَلِّ عَلَيْهِمْ: أي: وادْعُ لهم بالرّحْمَة، مُسْمِعاً دُعَاءَكَ لهم.
بعْدَ هذا الأمر للرسول بأن يُصَلّي عليهم، استشرفَتْ نفس الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للسؤال عن فائدة هذِهِ الصَّلاة الَّتي يُسْمِعُهُمْ إيّاها، فقال الله له مؤكِّداً: {إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} . فاشتَمَلَتْ هذه الجملة على مؤكّدين: "إنّ" و"الجملة الاسميّة".
* ومن الأمثلة قول بشار بن بُرْد:
بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ ... إنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ
الْهَجِيرُ: نصف النهار في القيظ عنْد شِدَّةِ الحرّ.
لمّا قدَّم الأمر بالتبكير كانت نفس المخاطب مستشرفَةً للسؤال عن السَّبب، طالبةً تأكيد مضمون الجملة التعليليّةِ التي تجيب على سؤالٍ يُلاحَظُ ذهنا، فقال: "إنّ ذَاكَ النجاحَ في التكبير". فأكَّد بمؤكِّدَيْنِ: "إنّ" و"الجملة الاسمية".
ونظيره قول بعض العرب يستحثّ على حُدَاءِ إبله لتُسْرعَ في السّير:
فَغَنِّهَا وَهْيَ لَكَ الْفِدَاءُ ... إِنَّ غِنَاءَ الإِبِلِ الْحُدَاءُ
الصورة الثانية: إنْ يُنزَّلَ مَنْ لا يُنْكِرُ ما سَيُقَدَّمُ لَهُ مِنْ خَبَرٍ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنكرُهُ، إذا ظهرت عليه بعْضُ أماراتِ الإِنْكار في داخل نفسه.
* فَمن الأمثلة التي ذكرها البلاغيون لهذه الصورة، قول "حجل بن نضلة القيسيّ" بشأن ابْنِ عَمِّهِ "شقيق":
جَاءَ شَقِيقٌ عَارِضاً رُمْحَهُ ... إِنَّ بَنِي عَمِّكَ فِيهِمْ رِماحٌ
مجيء "شقيقِ" واضعاً رُمْحَهُ عَرْضاً يُشْعِرُ بأنَّهُ يُنَافِسُ بشجاعَتِهِ وسلاحه، فكأنّه يُنْكِرُ أَنّ أبناء عَمِّه لديهم أسلحة وأنَّهُمْ شجعان، فاقتضَى حالُهُ تأكيد الْخَبَر الْمُوَجّه له، فقالَ له ابْنُ عَمِّهِ مؤكّداً: "إنَّ بَني عَمِّكَ فِيهِمْ رِمَاحٌ".
فيهم رماح: أي: في حوزتِهم وفي ملكهم رماحٌ كثيرة.