وينطلق الذهن إلى الأشياء الكبيرة العظيمة التي لا يستطيع التصوّر الإِحاطة بها، فشمل النصّ كُلَّ شيْءٍ.
وجاء في القرآن البدء بمَنْ يحتل الدرجة العليا، فمن يحتل الدرجة التي دونها، فمن يحتل الدرجة التالية، ومنه قول الله عزَّ وجلّ في سورة (التوبة/ 9 مصحف/ 113 نزول) :
{لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فِي سَاعَةِ العسرة ... } [الآية: 117] .
فبدأ بالنبيّ، وعطفَ عليه المهاجرين، وعطفَ عليهم الأنصار الذين اتّبعوا الرسول في ساعة العُسْرَة، مراعاةً لأفضليات المراتب والدرجات.
ونلاحظ في سورة (التوبة) أيضاً ترتيباً روعي فيه الترتيب الواقعِيّ في الأَحْدَاث، وهو قول الله عزّ وجلّ فيها بشأن الذين خرجوا مع الرسول لغزوة تبوك:
{ذلك بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} [الآية: 120] .
إنّ الذين خرجوا إلى غزوة تبوك وهذا صالح للتعميم في معظم الغزوات، أوّل ما أصابهم الظّمأ بسبب نفاد الماء، وانعدام مصادر الماء في طريقهم، وبعد ذلك أصابهم النَّصَبُ، وهو التعبَ، فالرحلة في أرض صحراء، وفي حرّ شديد، وبعد ذلك انتهت أزوادهم فنزلت بهم المخمصة، أي: المجاعة، وبعد اقترابهم من تبوك وَطِئُو موطئاً يغيظ الكفّار، وبعد ذلك نالُوا من عدوهم عند تبوك نيلاً فرح به الغزاة الخارجون مع الرسول من أهل الإِيمان والصدق.
فجاء الترتيب في الآية على وفق الترتيب في الأحداث، وهذا من دقّة الأداء البياني.