وقد يلاحظ في الترتيب تدرّج أحوال النفس، وهذا من مراعاة الترتيب في الواقع، ومنه ما جاء في سورة (عبس/ 80 مصحف/ 24 نزول) في وصف حالة الإِنسان يوم القيامة.
{يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وصاحبته وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [الآيات: 34 - 37] .
فجاء الترتيبُ وفق ترتيب أحوال النفس، إذ يتخلَّى الإِنسان عند الضرورة عن الحبيب، فعن الأحبّ فعن الأشدّ حبّاً له، وأحبّ الناس إلى قلب الإِنسان بنوه، ودون ذلك صاحبته الحبيبة، ودونها أبواه، ودونهما أخوة.
فعلى دارس النصوص البليغة أن يُمْعِن النظر، ويطيل التأمُّل والتفكير، حتَّى يكتشف ما فيها من دواعي بلاغيّةٍ وفكرية دعته إلى ترتيب عناصر كلّ جملة، وترتيب الجمل فيها، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وانظر في موضوع ترتيب الجمل ما جاء في "الصورة السادسة" من قسم "صور من أدب القرآن الرفيع" في كتابي "أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع".
***
الداعي الرابع: التخلّص مما يُوهم معنىً غير مرادٍ في دلالات الكلام، ومن أمثلة ذلك قول الله عزّ وجلّ في سورة (غافر/ 40 مصحف/ 60 نزول) :
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَآءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ ... } [الآية: 28] .
عبارة {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} نعت لـ {رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} .
وعبارة {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} نعت أيضاً لـ {رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} .
وهذان النعتان متكافئات في الرتبة، فليس أحدهما أولى بالتقديم من