نام کتاب : الرسائل السياسية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 503
معظم الناس، فقال لأصحابه: أفرجوا لهم ما تركوكم، ولا تتعرّضوا لهم؛ فإنّه قد قيل: «تاركوهم ما تاركوكم» .
فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه؛ وهو عربيّ خراساني وذكر يزيد بن مزيد الوقعة التي قتل فيها يولبا التركيّ الوليد بن طريف الخارجيّ، فقال في بعض ما يصف من شأن التّرك: ليس لبدن التّركي على ظهر الدابّة ثقل، ولا لمشيه على الأرض وقع، وإنّه ليرى وهو مدبر ما لا يرى الفارس منّا وهو مقبل. وهو يرى الفارس منا صيدا ويعدّ نفسه فهدا، ويعدّه ظبيا ويعدّ نفسه كلبا. والله لو رمي به في قعر بئر مكتوفا لما أعجزته الحيلة؟ ولولا أنّ أعمار عامّتهم تقصر دون الجبل- يعني جبل حلوان- ثم همّوا بنا، لألقوا لنا شغلا طويلا.
وأنشد رجل من أصحابه:
هب الدنيا تساق إليك عفوا ... أليس مصير ذاك إلى زوال
قال: أمّا التّركي فلأن ينال الكفاف غصبا أحبّ إليه من أن ينال الملك عفوا. ولم يتهنّ تركيّ بطعام إلّا أن يكون صيدا أو مغنما، ولا يعزّ على ظهر دابّته طالبا كان أو مطلوبا.
وقال ثمامة بن أشرس، وكان مثل محمّد بن الجهم في كثرة ذكره للتّرك.
قال ثمامة: التركيّ لا يخاف إلّا مخوفا ولا يطمع في غير مطمع، ولا يكفّه عن الطّلب إلّا اليأس صرفا، ولا يدع القليل حتّى يصيب أكثر منه، وان قدر أن يجمعها لم يفرّط في واحد منهما. والباب الذي لا يحسنه لا يحسن منه شيئا، والباب الذي يحسنه قد أحكمه بأسره وأمرّه وخفيّه عنده كظاهره، ولا يتشاغل بشيء ليس فيه شيء، ولا على نفسه من شيء. فلولا أن يجمّ نفسه بالنّوم لما نام، على إنّ نومه مشوب باليقظة، ويقظته سليمة من الوسنة. ولو كان في شقّهم أنبياء، وفي أرضهم حكماء، وكانت هذه الخواطر قد مرّت على قلوبهم، وقرعت أسماعهم، لأنسوك أدب البصريّين، وحكمة اليونانيّين، وصنعة أهل
نام کتاب : الرسائل السياسية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 503