نام کتاب : الرسائل السياسية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 506
من تركيب بلدهم وتربيتهم، ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم، ما ليس مع أحد سواهم، ألا ترى أنّك ترى البصريّ فلا تدري أبصريّ هو أم كوفيّ، وترى المكّيّ فلا تدري أمكّيّ هو أم مدنيّ. وترى الجبليّ فلا تدري أجبليّ هو أم خراسانيّ، وترى الجزريّ فلا تدري أجزريّ هو أم شاميّ. وأنت لا تغلط في التركيّ، ولا تحتاج فيه إلى قيافة ولا إلى فراسة، ولا إلى مساءلة. ونساؤهم كرجالهم، ودوابّهم تركيّة مثلهم.
وهكذا طبع الله تلك البلدة، وقسم لتلك التّربة. وجميع دور الدنيا ونشوّها إلى منتهى قواها ومدّة أجلها، جارية على عللها، وعلى مقدار أسبابها، على قدر ما خصّها الله تعالى به وأبانها، وجعل فيها. فإذا صاروا إلى دار الجزاء، فهي كما قال الله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً.
وكذلك ترى أبناء العرب والأعراب الذين نزلوا خراسان، لا تفصل بين من نزل أبوه بفرغانة وبين أهل فرغانة، ولا ترى بينهم فرقا في السّبال الصّهب والجلود القشرة، والأقفاء العظيمة، والاكسية الفرغانية. وكذلك جميع تلك الارباع، لا تفصل بين أبناء النازلة وبين أبناء النّابتة.
ومحبّة الوطن شيء شامل لجميع الناس، وغالب على جميع الجيرة. ولكن ذاك في التّرك أغلب، وفيها أرسخ؛ لما معها من خاصّة المشاكلة والمناسبة، واستواء الشّبه، وتكافي التركيب. ألا ترى أنّ العبديّ يقول: «عمّر الله البلدان بحبّ الأوطان» ، وأنّ ابن الزّبير قال: «ليس الناس بشيء من اقسامهم أقنع منهم بأوطانهم» ، وأنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
«لولا تفرّق أهواء العباد لما عمّر الله البلاد» ، وأنّ جمعة الإياديّة قالت: «لولا ما أوصى الله به العباد من قفر البلاد، لما وسعهم واد ولا كفاهم زاد» .
وذكر قتيبة بن مسلم التّرك فقال: «هم والله أحنّ من الإبل المعقّلة إلى أوطانها» ؛ لأنّ البعير يحنّ إلى وطنه وعطنه، وهو بعمان، من ظهر البصرة، فهو يخبط كلّ شيء ويستبطن كلّ واد، حتّى يأتي مكانه؛ على أنّه طريق لم يسلكه إلّا
نام کتاب : الرسائل السياسية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 506