نام کتاب : الرسائل السياسية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 510
وكذلك التّرك أصحاب عمد وسكّان فياف وأرباب مواش، وهم أعراب العجم كما أنّ هذيلا أكراد العرب. فحين لم تشغلهم الصّناعات والتّجارات، والطّبّ والفلاحة والهندسة؛ ولا غرس ولا بنيان، ولا شقّ أنهار، ولا جباية غلّات، ولم يكن همّهم غير الغزو والغارة والصّيد وركوب الخيل، ومقارعة الأبطال، وطلب الغنائم وتدويخ البلدان، وكانت هممهم إلى ذلك مصروفة وكانت لهذه المعاني والأسباب مسخّرة ومقصورة عليها، وموصولة بها، أحكموا ذلك الأمر بأسره، وأتوا على آخره، و] صار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم، [ولذّتهم] وفخرهم، وحديثهم وسمرهم.
فلمّا كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة، وأهل الصّين في الصناعات، والأعراب فيما عددنا ونزّلنا، وكآل ساسان في الملك والرياسة.
ومما يستدلّ به على أنّهم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوه، وبلغوا أقصى غايته وتعرّفوه، أنّ السّيف إلى أن يتقلّده متقلّد، أو يضرب به ضارب، قد مرّ على أيد كثيرة، وعلى طبقات من الصّنّاع، كلّ واحد منهم لا يعمل عمل صاحبه، ولا يحسنه ولا يدّعيه ولا يتكلّفه، لأنّ الذي يذيب حديد السّيف ويطبعه، ويصفّيه ويهذّبه، غير الذي يمدّه ويمطله؛ والذي يمدّه ويمطله غير الذي يطبعه ويسوّي متنه، ويقيم خشيبته؛ والذي يطبعه ويسوّي متنه غير الذي يسقيه ويرهفه، والذي يرهفه غير الذي ي يركّب قبيعته ويستوثق من سيلانه، والذي يعمل مسامير السّيلان و [شاربي] القبيعة ونصل السيف غير الذي ينحت خشب غمده، والذي ينحت خشب غمده غير الذي يدبغ جلده، والذي يدبغ جلده غير الذي يحلّيه، والذي يحلّيه ويركّب نعله غير الذي يخرز حمائله.
وكذلك السّرج، وحالات السّهم والجعبة والرّمح وجميع السلاح، مما هو جارح أو جنّة.
والتركيّ يعمل هذا كلّه لنفسه من ابتدائه الى غايته، فلا يستعين برفيق، ولا يفزع فيه إلى صديق، ولا يختلف إلى صانع، ولا يشغل قلبه بمطاله وتسويفه، وأكاذيب مواعيده، وبغرم كرائه.
نام کتاب : الرسائل السياسية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 510