نام کتاب : الشعر في خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي نویسنده : حسين عطوان جلد : 1 صفحه : 58
عميقة، ولم يشر إليها إشارة دقيقة كالجاحظ، فإنه وصف الدولة الأموية بأنها "دولة عربية أعرابية"[1].
وهو يعود من ناحية أخرى إلى ثقافة ذلك المجتمع المزدوجة، فقد ساد فيه تياران ثقافيان متناقضان، تيار الثقافة الجاهلية القبلية الموروث، الذي ظل العرب عامة يتمسكون به، ويخضعون له في تفكيرهم وسلوكهم خضوعا نسبيا متفاوتا[2]. وتيار الثقافة الإسلامية الحديث، الذي تغلغل في ضمائرهم قسم منهم، فآمنوا به، وحثوا على اتباعه.
ومن أجل ذلك كان من الطبيعي أن ينتج عن هذا التركيب الاجتماعي البدوي، وعن هذه الثقافة الجاهلية الواسعة الثابتة ضعف إيمان العرب في هذه المرحلة التاريخية بمبدأ الأمة الواحدة، وقلة إدراكهم لفكرة الدولة، وضآلة استجابتهم لها، وإذعانهم لقوانينها، لأن كل هذه المبادئ والأفكار لم تكن قد تغلغلت في نفوسهم، ولا اتضحت في أذهانهم، ولم تكن قد رسخت في قلوبهم، ولا نفذت إلى وجدانهم، لجدة عهدهم بها، وحداثة ممارستهم لها، ولقربهم من الحياة الجاهلية، واستبداد تقاليدها ومثلها بعقولهم وأفئدتهم. ولذلك بقيت كل قبيلة منهم تستشعر كيانها ومصالحها، ومنافع حلفائها، وتحرص على أن تكون الرئاسة فيها والسيادة لها، تشبثا بالسلطة، وحبا فيما تجلبه من فوائد مادية ومعنوية.
وأما السبب الثاني فسياسي، وهو يرد إلى موقف الخلفاء الأمويين من القبائل العربية التي عدت -كما دعا القرآن- أمة واحدة، فقد استعانوا بها على أنها جماعات قبلية متحاسدة، لا على أنها أمة واحدة متساوية في الحقوق، متكافئة في الواجبات.
وكان الخليفة منهم إذا مال إلى القبائل اليمنية، أو القيسية يحابيها، ويقدمها ويغلبها وينيط برجالها أهم الوظائف في معظم الولايات، ومنها خراسان. فأدى هذا الأسلوب في معاملة القبائل والاعتماد عليها بقصد أو بغير قصد، إلى إحساس كل قبيلة [1] البيان والتبيين 3: 217. [2] انظر كتابنا: الشعراء الصعاليك في العصر الأموي ص: 54.
نام کتاب : الشعر في خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي نویسنده : حسين عطوان جلد : 1 صفحه : 58