نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 33
المخاصر والعصي، ووصل أيمانهم بالقضبان والقسي، ورد عليهم الجاحظ ردا طويلا مفحما في فاتحة الجزء الثالث من كتاب البيان والتبيين. وفي مواضع كثيرة من هذا الكتاب نرى العرب يمدحون جهارة الصوت وشدته، ويعيبون ضيقه، ودقته كمان يعيبون على الخطيب أن يعترضه البهر، والارتعاش والرعدة، أو يعتريه شيء من الحصر والعي، يقول أبو العيال الهذلي1:
ولا حصر بخطبته ... إذا ما عزت الخطب
وكان يكرهون أن يمس الخطيب ذقنه، وسباله وشواربه، يقول معن بن أوس المزني في بعض هجائه2:
إذا اجتمع القبائل جئت ردفا ... وراء الماسحين لك السبالا
فلا تعطي عصا الخطباء فيهم ... وقد تكفى المقادة والمقالا
وإذا كانوا قد عاربو ذلك في الخطيب، فقد مدحوا فيه -على نحو ما يلاحظ ذلك الجاحظ في بيانه- شدة العارضة، وظهور الحجة، وثبات الجنان وكثرة الريق، والعلو على الخصوم في مضايق الكلام، ومآزق الخصام.
1 البيان والتبيين [1]/ 3.
2 نفس المصدر [1]/ 372، والسبال: مقدم اللحية: وهو يهجو صاحبه بأنه ليس رئيسا، ولا خطيبا.
5- الصنعة في الخطابة الجاهلية:
من الصفات التي تميز عرب الجاهلية أنهم كانوا يحبون البيان، والطلاقة والتحبير والبلاغة، ودفعهم ذلك إلى الاحتفال بخطابتهم احتفالا شديدا، لا من حيث الصقل، وتجديد الألفاظ فحسب، بل أيضا من حيث مخارج الكلم، ولعلهم من أجل ذلك كانوا يتزيدون في جهارة الأصوات، كما كانوا ينتحلون سعة الأشداق، وهدل الشفاه[1]، حتى إن فريقا منهم كانوا يتخللون كلامهم بألسنتهم تخلل البقرة الكلأ بلسانها[2]، ومن لم يصنع ذلك عمد [1] البيان والتبيين 1/ 13-14. [2] البيان والتبيين 1/ 271.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في النثر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 33