المقابسة الواحدة والسبعون
في حقيقة الضحك وأسبابه
سألت أبا سليمان عن الضحك: ما هو؟ فأملى فقال: الضحك قوة ناشئة بين قوتي النطق والحيوانية، وذلك أنه حال للنفس باستطراق وارد عليها. وهذا المعنى متعلق بالنطق من جهة، وذلك الاستطراق إنما هو تعجب، والتعجب هو طلب السبب والعلة للأمر الوارد، ومن جهة تتبع القوة الحيوانية عند ما تنبعث من النفس، فإنها إما أن تتحرك إلى داخل، وإما إلى خارج. فأما أن يكون دفعة فيحدث منها الغضب، وإما أولا وأولا باعتدال فيحدث السرور والفرح. فأما أن تتحرك من خارج إلى داخل دفعة فيحدث منها الخوف، وإما أولا فأولا فيحدث منها الإستهزال وإما أن تتجاذب مرة إلى داخل، ومرة إلى خارج، فيحدث منها أحوال أحدثها الضحك عند تجاذب القوتين في طلب السبب، فيحكم مرة أنه كذا ومرة أنه ليس كذا، ويسري في ذلك الروح حتى ينتهي إلى الغضب فتحرك الحركتين المتضادتين، وتعرض منه القهقهة في الوجه لكثرة الحواس، ويعلو الغضب واحداً واحداً منها.