نام کتاب : المنازل والديار نویسنده : أسامة بن منقذ جلد : 1 صفحه : 69
مر رجل من مراد بأويس القرني - رحمه الله - فقال: كيف أصبحت يا أويس؟ قال: أصحبت أحمد الله - قال: كيف الزمان عليك؟ قال: يا أخا مراد. إن الموت وذكره لم يدع في الأرض لمومن فرحاً، وإن علمه بكتاب الله لن يدع في ماله فضة ولا ذهباً، وإن قيامه بالحق لم يدع له صديقاً، قال: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أخا مراد ما شهدت رسول صلى الله عليه وسلم فأحدثك عنه، ولكن افعلوا كما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاسبوا نفوسكم قبل أن تحاسبوا، فهو أيسر لحسابكم غداً، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن، فهو أثقل لوزنكم، ولا تخربوا دوركم من الآخرة بعمران دوركم في الدنيا؛ فإن الله تبارك وتعالى جعل الدنيا قنطرة للآخرة فاعبروها".
وقال مهيار:
يا دار ليس اليوم عهدك أمس لي ... ظهرت مفارقة وبان خلاف
وتغيرت فيك الصباعن خلقها ... وليانها، فنسيمها إعصاف
وقال آخر:
لن يقنع النفس إذ كانت مصرفة ... إلا التنقل من حال إلى حال
لأظعنن إلى دار خلقت لها ... وخير زادي فيها خير أعمالي
وقال آخر:
انصرف الناس إلى دورهم ... وغودر الميت في رمسه
مرتهن النفس بأعماله ... لا يرتجى الإطلاق من حبسه
لنفسه صالح أعماله ... وما سواه فعلى نفسه
وقال أبو نواس:
طوى الموت ما بيني وبين محمد ... وليس لما تطوى المنية ناشر
وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
لئن عمرت دور بمن لا أحبه ... لقد عمرت ممن أحب المقابر
وقال المرتضى - رضي الله عنه -:
قالوا نراك بلا سقم، فقلت لهم: ... السقم في القلب ليس السقم في البدن
يا عاذلي خل عن قلب تملكه ... من قبل عذلك طول الهم والحزن
لا يعرف الدار إلا قام يندبها ... ولا يسائلها إلا عن السكن
عن الأصمعي قال: دخلت على الرشيد وهو يقرأ كتاباً ودموعه تتحدر، فلما أبصرني قال: أرأيت ما كان مني؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: أما إنه لو كان لأمر الدنيا ما رأيت هذا، ورمى بالقرطاس، فإذا فيه شعر لأبي العتاهية:
هل أنت معتبر بمن خربت ... منه غداة مضى دساكره
وبمن أذل الدهر مصرعه ... وتبرأت منه عساكره
وبمن خلت منه أسرته ... وبمن خلت منه منابره
أين الملوك؟ وأين عزهم؟ ... صاروا مصيراً أنت صائره
يا مؤثر الدنيا للذته ... والمستعد لمن يفاخره
نل ما بدا لك أن تنال من الد ... نيا فإن الموت آخره
فقال الرشيد: والله لكأني أخاطب بهذا دون سائر الناس، فلم يلبث بعد ذلك إلا قليلاً حتى مات.
وقال الشاعر:
إلى متى أنا في حل وترحال ... وهم عيش بإدبار وإقبال
ونازح الدار لا أنفك مغترباً ... ناء عن الأهل لا يدرون ما حالي
بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من همي على بال
ولو قعدت أتاني الرزق في دعة ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال
عن الأصمعي - رحمه الله - قال: جاءني رسول الرشيد - رضي الله عنه - ليلة، وقد ذهب من الليل شطر، فقال: أجب أمير المؤمنين، ففزعت من ذلك، وقلت: حدث أمر يكره، فمضيت معه، فإذا هو قاعد في أقصى مجلسه، وبين يديه دواة وقرطاس، وهو يبكي، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: وعليك السلام يا ابن قريب، اجلس، فجلست، فقال: أبكاني هذا البيت وأسهر ليلتي، فقلت: لا أبكى الله عينك يا أمير المؤمنين، وأي بيت هو؟ قال: بيت ابن ذي سلم عند موته:
لم تحتقب غير أثواب يمزقها ... ريب الزمان وطول العهد والقدم
نام کتاب : المنازل والديار نویسنده : أسامة بن منقذ جلد : 1 صفحه : 69