نام کتاب : المنازل والديار نویسنده : أسامة بن منقذ جلد : 1 صفحه : 70
فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد صدق، وهذه سبيل الناس جميعاً، فطوبى للمتقين، فقال: ويحك يا أصمعي ذهب. جلساء الخير، ومجالس الفضل، أين من كان إذا جالسهم المسرفون على أنفسهم وعظتهم صورته، وذكرتهم هيئته، وبلغت بهم كل المبالغ مقالته؟! فقلت: يا أمير المؤمنين. لقد أسعد الله دولتك بجماعة من أهل الفضل، ثم قلت: إن أمرت أن أحدثك بحديث وعشر قرئ على بعض القبور، فقال: هاته، فقلت: حدثني من أثق به قال: غزونا في البحر، فمالت بنا السفينة إلى جزيرة، فإذا نحن بقصر شاهق، وإلى جانبه قبر، وعلى القصر بابان، وبين القصر والقبر فسيل نخل لم أر شيئاً أحسن منه، فإذا على القصر مكتوب:
يؤمل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمل قبل الأمل
وبات يروي أصول الفس ... يل فعاش الفسيل ومات الرجل
وعلى وجه القصر مكتوب:
وفتى كأن جبينه بدر الدجى ... قامت عليه نوائح وروامس
غرس الفسيل مؤملاً لبقائه ... فحيا الفسيل ومات عنه الفارس
وعلى أحد بابي القصر مكتوب:
تلك المدائن في الآفاق خاوية ... أمست خلاء وذاق الموت بانيها
وعلى الباب الآخر مكتوب:
أين القرون التي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
قال الرجل: فبقيت متعجباً أنظر إلى الشعر والقصر، والفسيل والقبر، ثم تمثلت:
ناد رب الدار والحصن الذي ... جمع الدنيا بحرص ما فعل؟!
كان في دار سواها داره ... عللته بالمنى، ثم انتقل
قال: فلم يزل الرشيد يبكي ويصرخ حتى أصبح، فلما أصبح أمر أن يخرج مال جليل فيتصدق به على الفقراء والمساكين، وأن يدفع إلي منه عشرة آلاف درهم.
وقال أبو العتاهية:
هي الدار، دار الأذى والقذى ... ودار الفناء، ودار الغير
فلو نلتها بحذافيرها ... لمت ولم تقض منها الوطر
وقال الراضي يزيد بن محمد بن عباد، من ملوك الأندلس:
هي الدار غادرة بالرجال ... وقاطعة لحبال الوصال
نفجع فيها بغير اللذي ... ذ ونشرق منها بغير الزلال
ونزداد مع ذاك عشقاً لها ... ألا إنما سعينا في ضلال
لمعشوقة ودها لا يدو ... م، وعاشقها أبداً غير سال
وقال الأحوص:
هل هيجتك مغاني الحي والدور ... فاشتقت إن البعيد الدار معذور
وقد يحل بها إذ عيشنا أنق ... بيض أوانس أمثال الدمى حور
وقال مهيار:
سائل الدار إن سألت خبيرا ... واستجر بالدموع تدع مجيرا
أفهمتني على نحول رباها ... فكأني قرأت منها سطورا
يقال: شحطت الدار، إذا بعدت، ونزحت، وشسعت.
ودار شطون، وبين شطون، وإلية شطون: فيه عوج.
ودار غربة قذف، أي بعيدة.
ويقال: أسقبت الدار، إذا قربت وأسعفت.
والولي - بتخفيف اللام -: القرب.
قال ساعدة بن جوية:
هجرت جنوب وحب من يتجنب ... وعدت عواد دون وليك تشعب
والكثب: القرب، يقال: رماه من كثب، أي من قرب.
قال يحيى بن معاذ - رضي الله عنه -: الدنيا دار خراب، وأخرب منها قلب من يشتهي عمارتها، والآخرة دار عمران، وأعمر منها قلب من يطلبها.
وقال مهيار:
ما أنت بعد البين من أوطاني ... دار الهوى، والدار بالجيران
كنت المنى من قبل طارقة النوى ... والشمل شملي والزمان زماني
ولئن خلوت فليس أول حادث ... خلت الكناس له من الغزلان
طرب الحمام بطبعهن وإنما اس ... تملين فيك النوح من أحزاني
أبيات في هذا المعنى من شعر جدي، ووالدي، وعمي، وأخي - رضي الله عنهم - وشعري
قال جدي سديد الملك ذو المناقب أبو الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ - رضي الله -
لله ما طيف ألم بفتية ... تحنو رؤوسهم على الأكوار
كيف اهتديت لراحلين ترودوا ... ما شاء قومك من دجى ونهار
لفظتهم دار الإقامة فيكم ... فنضوا عقال مطية الأسفار
ورنوا إلى الحي المقيم بأعين ... ينهلن من ماء الدموع الجاري
وقال عمي عز الدولة أبو المرهف، نصر بن علي - رحمه الله -:
لهفي لدار عفاها كل منهمر ... جون ملث عليها رائح ساري
وما عفا ذكر أحبابي الذين لهم ... حزني مقيم ودمعي إثرهم جاري
نام کتاب : المنازل والديار نویسنده : أسامة بن منقذ جلد : 1 صفحه : 70