responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو    جلد : 1  صفحه : 176
وكان للعرب عدة أسواق يجتمعون فيها للمقايضات وضروب المبايعات قد ذكرها في المشرق (1 [1898] : 867) جناب الأديب محمود شكري أفندي الألوسي. وكان معظم هذه الأسواق في جهات الجزيرة العربية التي يغلب فيها عدد النصارى في الجاهلية وأكثرهم من الحضر يرتزقون بالتجارة كأسواق البحرين في عمان وهجر والمشقّر وصحار وكأسواق حضرموت والشحر وكأسواق اليمن مثل سوق صنعاء وكسوق دومة الجندل وكسوق عكاظ في الحجاز التي كان يقوم فيها قس بن ساعدة واعظاً وخطيباً مصقعاً.
ومما لم يذكره هناك من الأسواق العربية النصرانية سوق الحيرة وقد ذكره أبو الفرج في الأغاني قال (16: 99) قال: "وكان بالحيرة سوق يجتمع إليه الناس كل سنةٍ" وروى هناك خروج الحكم بن أبي العاصي إليه ومعه عطر يريد بيعه وأخذ حسان بن جبلة الخير على نفسه أن يقدم للقوم "كل خمر أو لحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة". وقصد حاتم الطائي هذه السوق أيضاً وأظهر فيها شيئاً من كرمه الذي ضرب به المثل بنحره الجزور وإطعام الناس.
وما لا ينكر أن أهل اليمن وعمان والبحرين وهجر والحيرة كانت تجارتهم واسعة رابحة ومعائشهم رغدة والخصب والرخاء غالبين على أطرافهم مع ما فيها من وفرة الغلات والذخائر وصنوف المعادن والأرفاق بخلاف عرب نجد والحجاز فكانت بلادهم مجدبة قاحلة كثيرة الرمال والصحارى. وقد جاء في سيرة نبي الإسلام أنه تعاطى التجارة في شبابه استأجرته خديجة بنت خويلد في مالها فكان يخرج به إلى الشام تاجراً فرأى أهلها النصارى ودخل صوامع رهبانها وكان محظوظاً في تجارته فدعا ذلك خديجة إلى أن تقترن به.
وكما كان العرب يخرجون إلى بلاد النصارى المجاورة لبلادهم كذلك كان النصارى يقدمون إلى الحجاز ويبيعون أهلها محصولات أوطانهم. ولنا على ذلك عدة شواهد. منها "موقف النصارى" في مكة قال في التاج في مادة حسر (3: 14) : "بطن محسر وادٍ قرب مزدلفة بين عرفات ومنى. وفي كتب المناسك هو وادي النار لأنه موقف النصارى وأنشد عمر رض حين أفاض من عرفة إلى مزدلفة وكان في بطن محسر:
إليكَ يعدو قلقاً وضيناً ... مخالفاً دين النصارى دينا"
وكذلك "مقبرة النصارى" في مكة أيضاً ذكرها الأزرقي في أخبار مكة (ص501) وقال أنها دبر المقلع أي الجبل الذي بأسفل مكة على يمين الخارج إلى المدينة على طريق بئر عنبسة.
وكان بعض هؤلاء التجار ينشرون النصرانية في مكة. جاء في أسد الغابة لابن الأثير (5: 172) أن ولدين لأبي حصين الأنصاري تنصرا على يد تجار من الشام أتوا إلى مكة وأنهما لحقا معهم بالشام.
ومن سلع تجار النصارى في الجاهلية وبعدها الخمر كانوا يعصرونها ويبيعونها ويشربونها في مجالس الأنس. وقد وصفها شاعرهم الأعشى بقوله:
وكأسٍ شربتُ على لذةٍ ... وأخرى تداويتُ منها بها
ليعلمَ من لام أنّي امرؤٌ ... أتيتُ المروءة من بابها
وقد اعتادوا عصر المدامة لدخولها في مشاعرهم الدينية في القربان، كما مر سابقاً، وتغنوا في معانيها الرمزية كما فعل ابن الفارض في ميميته.
ومما تاجر به نصارى اليمن والعراق والبحرين الجواهر والحجارة الكريمة كالجزع والياقوت واللآلئ وقد اشتهر الجزع اليماني وقد عرف أيضاً بالجزر اليماني (Conque de Venus) وكان يتاجر به أهل ظفار فأنسب إليهم، قال المكرقش الأصغر يصف طغائن يقطعن القفار:
تجلَّبن ياقوتاً وشذراً وصيغةً ... وجزعاً ظفارياً ودرَّاً توائماً
وقد ذكر في الأغاني (11: 163) درجاً لطلحة كان فيه حجارة ياقوت يساوي ثمن كل حجر منها أربعين درهم.
وروى البكري في معجم ما استعجم يصف ركوب ملك الحيرة إلى دير اللج (ص366) : "وكان النعمان يركب في كل أحواله وفي كل عيد ومعه أهل بيته خاصة من آل المنذر من ينادمه عليهم حلل الديباج المذهبة وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب فإذا قضوا صلاتهم انصرفوا إلى مستشرقة على النجف".
أما اللآلئ والدرر الثمينة فكان يغوص عليها أهل البحرين منذ زمن الجاهلية.
قال النابغة الذبياني:
أو درَّةٍ صدفيةٍ غوَّاصها ... بهجٌ متى يرها يهلُّ ويسجدِ
وقد أحسن المسيب بن علس في وصفه الغائص على اللآلئ وانتخابه الثمين بينها واستخراجها من البحر قال (شعراء النصرانية 356 وخزانة الأدب 1: 544)

نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو    جلد : 1  صفحه : 176
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست