نام کتاب : الهفوات النادرة نویسنده : الصابئ، غرس النعمة جلد : 1 صفحه : 91
364 - وحدث العباس بن المأمون قال: حدثني المتوكل على الله قال: احتجمت في اليوم الذي توفي فيه الواثق بالله وأنا لا أعلم، فقالت لي أمي: امض إلى أخيك الواثق وعده من مرضه، فقلت لها: أطعميني شيئاً بعقب الحجامة فإنني احس من نفسي بضعف، فقالت: إذا أنت أكلت لم يكن لك لابد من أن تشرب، وهي ساعة، فامض إليه وعده، وعد إلى طعامك وشرابك مطمئناً، ففعلت ودخلت الدار وجلست بحيث كنت أجلس، وفي الموضع باب، فسمعت حركة وراءه، ونظرت من ثقب فيه محمد بن عبد الملك الزيات وإيتاخ ومعهما محمد بن الواثق، وهما يلبسانه الرصافية، فيدخل رأسه فيها لسعته وصغره عنها، فقال أحدهما للآخر: وما يكون إذا لم يلبسها، نعممه وقالا: فما نعمل بجعفر يغنوني قال محمد بن عبد الملك: نقتله في التنور، وقال إيتاخ: بل ندعه في الماء البارد حتى يموت، ولا يبين عليه أثر قتل، فغشى علي لما سمعته من عزمهما في أمري، ولإخراج الدم، وأنني لم آكل شيئاً، وضعفي ثم تحاملت فجلست في موضعي، وجاء ابن أبي داود، فدخل وسمعته يخاطبها بما لم أحصله لما كنت فيه، وخرج بعد ساعة الغلمان الصغار المعروفون بالإيتاخية يتعادون إلي ويقولون لي: مولانا انهض، فلم أحفل بما سمعته ورأيته منهم، وقلت: هؤلاء يخاطبونني على العادة وما يعلمون ما قد أعتزم في حقي، ثم قمت ولم أشكك في أني أدخل لأسلم على الصبي بالخلافة وأبايعه، ثم ينفذ في ما تقرر بينهم فعله معي، ودخلت الحجرة فرأيت السرير خالياً، فسكنت نفسي قليلاً، ثم لقيني ابن أبي داود فقبل يدي وأمسكها إلى أن بلغت السرير، وقال لي: اصعد إلى المكان فقد أهلك الله تعالى له، فلما صعدت وجلست سلم علي بالخلافة، وجاء محمد بن عبد الملك وإيتاخ فسلما علي بها أيضاً، وأخذ ابن أبي داود عليهما البيعة لي، وأدخل القواد والموالي على مراتبهم يسلمون ويبايعون، ورآني ابن أبي داود متغير اللون فقال لي وقد دنا مني ما الخبر مالك؟ فخبرته بحال الحجامة وغلبة الصفراء علي، وقلت: الساعة أموت وتقعون في شغل جديد فعاد إلى موضعه الذي كان قائماً فيه، وقال: يجوز أن يتمم أخذ البيعة في غير هذا الموضع، أخرجوا الناس فأخرجوا، ودعا بصاحب المطبخ وأمره أن يقدم الطعام فقدمه، وتناولت ما أمسك رمقي وعادت به نفسي. ثم سألت عن الحال كيف جرت، فقيل لي: إن محمد بن عبد الملك وإيتاخ تطابقاً على ما سمعته منهما، ووكلا بباب الحجرة من يمنع من دخول ابن أبي داود إليهما حتى يفرغا من تدبيرهما ويحكماه، فلما حضر ابن أبي داود منع، فدفع في صدور الموكلين، وهابوه فلم يراجعوه، ودخل فسلم عليهما وقال لهما: أنا رسول المسلمين إليكما، وهم يقرأون السلام عليكما ويقولون لكما: قد بلغتنا وفاة إمامنا وعند الله نحتسبه، ورحمة الله تعالى ورضوانه، وأنتما المنظور إليكما في هذا الأمر، فمن اخترتما لإمامتنا؟ فقالا: اخترنا محمد بن الواثق! فقال: بخٍ بخٍ ابن أمير المؤمنين، وأحق الناس بميراثه، إلا أنه صغير السن لا يصلح للإمامة، فمن غيره؟ قالا: فلان وفلان وفلان، وهما يقرظان كل واحد ممن يذكرانه ويصفانه إلى أن قالا: وجعفر بن المعتصم يعنياني فقال: رضي المسلمون، اصفقا على يدي، فصفقا، ثم أرسلوا إلى فكان من الأمر ما كان، وبقي ما قاله محمد بن عبد الملك وإيتاخ في نفسي، فقلتهما بما اعتزما قتلي به، وعلمت أن ذلك القول الذي كان منهما وسمعته من القدر الطريف والاتفاق العجيب فيما بدر من لسانهما واطلعت عليه من سرهما، ووقع في نفسي أن الله تعالى وقفني عليه وأعلمنه وأسمعنيه من حيث لم أظنه ولم يظنا لأكافئهما به وأجازيهما عليه عما انتشر من لعنتهما وشرهما وتجبرهما، فقتلت ابن عبد الملك في التنور، وإيتاخ بالماء البارد، فسبحان الله ما أطرف هذا الاتفاق وأعجبه.
365 - ذكر المبرد أن يزيد بن عبد الملك قال يوماً: إن الدنيا لم تصف لأحد يوماً قط، فإذا خلوت يومي هذا فاطووا عني الأخبار، ودعوني ولذتي وما خلوت به، ودعا بحبابة فقال: اسقيني وغنيني، فخلوا في أطيب عيش، فتناولت حبابة حبة رمان فتركتها في فيها، فغصت بها، فماتت، فجزع يزيد جزعاً أذهله، ومنع من دفنها، حتى قال له مشايخ بني أمية: هذا عيب لا يستقال، وإنما هذه جيفة فأذن في دفنها، وتبع جنازتها، فلما ووريت قال: أمسيت والله فيك كما قال كثير:
نام کتاب : الهفوات النادرة نویسنده : الصابئ، غرس النعمة جلد : 1 صفحه : 91