نام کتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره نویسنده : إحسان عباس جلد : 1 صفحه : 316
فالحبال نفسها من نار، ورب المدينة هجير لافح من النضار، وشرايينه أنحائها تطلع مصابيح لا توقد بزيت، وابن جيكور يموت مصعوقا من شرارة الكهربائية، ولو شئت تفسر القصيدة كلها من خلال صور النور لوجدتها تقوم على وحدة فكرية دقيقة: الضوء في المدينة خادع، فهو ليس نورا على الحقيقة، وإنما هو لهاث (لمعان) النضار، فإذا جاء المدينة شاعر لا يخدعه الذهب وأراد ان يبدد الظلام " ان ينير " صعقته قوى المدينة الجديدة وحرمته من العودة، وكانت محاولته اندحارا؛ وهذه المدينة التي تتوهج بتفاحات نار كهربائية تقابل جيكور - الخضراء التي مست الشمس الحزينة ذرى النخل فيها، وهكذا يقابل ضوءان: ضوء الذهب وضوء الشمس الحزينة في الأصيل - حزينة على فقد ابنها الذي احتجزته المدينة في دروبها المتشعبة. والاحتفاظ بصور الحبال المتطاولة وصور الإضاءة قد منح القصيدة إحكاما فذا، وزاد من ذلك الإحكام اختياره نغمة تسير ببطء - هي بحر المتقارب - وتمثل ببطئها تلك المسافات الطويلة التي قطعها القروي الحيران في دروب المدينة وليلها.
وليس كذلك الخامس من قصائد المرحلة الأولى السابقة للأحداث الدرامية، أعني قصيدة " المسيح بعد الصلب " فأنها شديدة الاضطراب، تتعاقب فيها صور مستمدة من قصة المسيح على غير انتقام، والشاعر يتخذ المسيح رمزا للتعبير عن حالته النفسية، ولذلك فهو المطلوب الذي استطاع أن يقوم من بين الموتى وينعش الحياة في جيكور:
حين يخضر حتى دجاها ... يلمس الدفء قلبي فيجري دمي في ثراها ... قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا ... قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا وماء نميرا ...
نام کتاب : بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره نویسنده : إحسان عباس جلد : 1 صفحه : 316