نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 137
فاللغويون في القرن الثاني حين أقبلوا على القبائل النجدية يجمعون منها مادتهم؛ إنما كانوا يتحرون الينابيع التي لا تزال نقية صافية، وليس في عملهم ما يشكك أي تشكيك في لغة مكة في أثناء العصر الجاهلي وفترة نزول القرآن الكريم؛ فقد التمسوا بغيتهم في القبائل المجاورة لقريش مثل كنانة وهذيل وبعض عشائر قيس. ومن المؤكد أن الفوارق في الجاهلية بين لهجة مكة ولهجات هذه القبائل كانت ضئيلة وأن هذه الفوارق كانت تتسع كلما ابتعدنا جنوبًا أو شرقًا أو شمالًا. على أنه ينبغي أن لا نبالغ في تصورها؛ فإن الشعراء تضافروا منذ أوائل العصر الجاهلي على إذاعة اللهجة المكية في قبائلهم بما كانوا ينظمون فيها من أشعارهم.
ومعنى ذلك أن لهجة قريش لم يبدأ ذيوعها وانتشارها بين العرب في الإسلام عن طريق القرآن الكريم كما ظن ذلك بعض الباحثين؛ فقد كانت ذائعة منتشرة بينهم منذ العصر الجاهلي، بل منذ أوائله، فأقدم نصوصه كأحدثها نظم بهذه اللهجة القرشية التي اتخذوها لغة أدبية عامة لهم، والتي سُمِّيت بعد بالفصحى؛ فقد كانوا يشعرون بروعتها، فاندفعوا يحاكونها، وقد امتلأت نفوسهم بأهلها ومكانتهم الروحية والاقتصادية والسياسية. ومن غير شك بلغ انتشار هذه اللهجة الذروة في الإسلام؛ فقد أقبل العرب في كل مكان شمالًا وجنوبًا على الارتشاف من أفاويق لغته، وقد أخذ يعممها لا في أنحاء الجزيرة القاصية وحدها؛ بل في كل بلد إسلامي شرقًا وغربًا، فإذا أعلامها تخفق على الدروب من أواسط آسيا إلى مشارف المحيط الأطلسي.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 137