responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 220
للمعارك الدائرة بينهم؛ إذ نراه يعترف بهزيمة قومه إن هُزموا[1]، وبفراره إن ولَّى الأدبار ونكص على أعقابه[2]، وفي أثناء ذلك لا يبخل على أعدائه بوصف شجاعتهم وبلائهم في الحروب، ولهم في ذلك قصائد تلقب بالمنصفات، مر الحديث عنها وجاءهم ذلك من أنهم لا يبذلون في الحقائق ولا يعدلون في علاقتها ومعانيها، بل يخضعون لها ويضبطون خيالاتهم وانفعالاتهم إزاءها. ونحن بهذا الوصف إنما نقصد إلى جمهور أشعارهم؛ فقد تندّ بعض أبيات تحمل ضربًا من المبالغة؛ ولكن ذلك يأتي شاذًّا ونادرًا. ونظن ظنًّا أن شيوع هذه الروح فيهم هو الذي طبع أفكارهم بنزعة تقريرية؛ إذ تعودوا أن يسندوا أقوالهم بذكر الحقيقة عارية دون خداع يموِّهها أو طلاء يزيفها. ومن هنا كانت معانيهم محددة تحديدًا يبرزها في أتم ما يكون من ضياء، ومن ثم تبدو في كثير من جوانبها كأنها شيء راسخ ثابت. ويتضح ذلك في حكمهم التي تصور أحكامًا سليمة وخبرات صائبة كما يتضح في جوانب كثيرة من تأبينهم ومديحهم وغزلهم وحماستهم؛ إذ يقدم الشاعر المعاني منكشفة كأنها أشياء صلبة محسوسة؛ فهي حقائق تُسْرَدُ سردًا وقلما شابها الخيال، إلا ليزيدها إمعانًا في الوضوح والجلاء.
واقرأ في أشعاره فستجد معانية حسية، واضحة، لا يقف بينك وبينها أي غموض أو أشراك ذهنية تضل في ممراتها وشُعبها الفكرية؛ إذ يعرض عليك هذه المعاني دائمًا مجسمة في أشخاص أو في أشياء. وخذ فضائلهم التي طالما أشادوا بها في حماستهم ومراثيهم ومدائحهم، فستجدها دائمًا تساق في مادة الإنسان الحسية، فهم لا يتحولون بها إلى معنى ذهني عام يصور إحساسهم بالبشرية جميعها في هذه الفضيلة أو تلك، فالكرم مثل البخل والوفاء وغيرهما من الفضائل والرذائل لا بد أن يقترن بشخص معين يتحدثون عنه.
وهذه النزعة في الشاعر الجاهلي جعلته لا يحلل خواطره ولا عواطفه إزاء ما يتحدث فيه من حب أو غير حب؛ فهو لا يعرف التغلغل في خفايا النفس الإنسانية ولا في أعماق الأشياء الحسية. وتتضح هذه النزعة في خياله وتشبيهاته فهو ينتزعها من عالمه المادي، ولنرجع مثلا إلى تشبيهاته للمرأة فهو يشبهها بالشمس والبدر والبيضة والدرة! والدمية والرمح والسيف والغمام والبقرة والظبية والقطاة، ويشبه

[1] انظر مثلًا المفضليات رقم 108.
[2] المفضليات: رقم 32 بيت 1-3.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 220
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست