نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 272
وبذلك كان ذنب النابغة عظيمًا، وقد أخذ يدفع عن نفسه في اعتذاراته المشهورة التي قدمها إلى النعمان، فعفا عنه، وعاد إلى بلاطه من جديد، وحظي برضاه ونائله الغمر؛ إلا أن كسرى لم يلبث أن غضب على النعمان؛ فاستدعاه سنة602 للميلاد، وألقى به في غياهب السجن حتى مات، ويقال: بل ألقى به تحت أرجل الفيلة.
وواضح أننا لم نأخذ بالروايات1 التي رواها القدماء في سبب مفارقة النعمان خوفًا على حياته، فإن بعض الشعراء الذين نفسوا عليه مكانته عنده صنعوا على لسانه شعرًا هجاه به هجاء مقذعًا، وفي بعض الروايات أنه كان لأحدهم سيف قاطع كثير الفرند والجوهر؛ فذكر النابغة ذلك للنعمان فأخذه، واضطغن صاحبه على النابغة فوشى به إلى النعمان وحرضه عليه. وفي رواية أن النابغة وصف زوج النعمان المتجردة وصفًا استقصى فيه أعضاءها؛ فغار منه المنخل اليشكري وكان يهواها، فوسوس إلى الأمير أن هذا الوصف لا يقوله إلا من جرب، فغضب النعمان، وعلم النابغة فهرب إلى الغساسنة. وسنرى فيما بعد أن قصيدته في المتجردة موضوعة.
وفي الحق أن كل هذه الروايات وما تضم من أشعار مخترعة، اخترعها الرواة ليفسروا اعتذارات النابغة التي تنبئ بأنه جنى جناية عظيمة، وأن هناك وشاة أوقعوا بينه وبين النعمان بن المنذر، ولم تكن هذه الوشاية إلا وفوده على الغساسنة أعداء النعمان وما صاغه من المديح فيهم، وقد كان يهمّ النعمان أن لا تضع الحرب أوزارها بينهم وبين ذبيان وقبائل نجد الغربية. فلم يكن ذنب النابغة عند النعمان ذنبًا شخصيًّا؛ وإنما كان ذنبًا سياسيًّا. وقد عاد إليه يطلب الصفح والعفو، لا لأنه بلغه أنه عليل كما تزعم بعض الروايات[2].
ونعتقد أن سفارته لقومه في بلاطي المناذرة والغساسنة هي التي أقلت الإشارات في شعره إلى حروب داحس والغبراء؛ إذ لم يشترك في وقائعها. ومع ذلك نراه في بعض شعره يأسى لتحول عبس إلى عامر ومفارقتها لديار أبناء عمومتها من ذبيان، يقول:
أَبلِغ بَني ذُبيانَ أَن لا أَخا لَهُم ... بِعَبسٍ إِذا حَلّوا الدِماخَ فَأَظلَما[3].
1الأغاني: 11/12 وما بعدها وانظر ترجمته في الشعر والشعراء. [2] أغاني: 11/ 29. [3] الدماخ: جبال. أظلم: موضع. يشير بهما إلى منازل بني عامر.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 272