responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 292
قد أخذته آلام المرض وأهله يسوون له فراشه رحمة به وعطفًا عليه. ويحلف له بأنه بريء مما اتهمه به الواشي؛ إذ لا يزال يرعى أمانة عهده، وكل ما هناك أنه ألم بديار الغساسنة؛ فأكرموه وحكموه في أموالهم، فوجب عليه أن يشكر لهم يدهم وصنيعهم كما يشكر النعمان من يرعاهم من الشعراء ويغدق عليهم من نواله. وهو بذلك يقيم الحجة على النعمان؛ فليس هناك كفران لنعمته عليه ولا جحود لولائه، وما يلبث أن يرفعه على جميع الملوك من غساسنة وغير غساسنة؛ فهو كالشمس الساطعة وغيره من الملوك كالنجوم، يتوارون في ضيائه ومجده، وهي صورة باهرة لا شك أنها تركت أثرًا بليغًا في نفس النعمان. وقد تلاها باستعطافه؛ فصور له ما صبَّه عليه من غضب بالقار يُصَبُّ على الأجرب فيتحاماه الناس. ويعود إلى بيان منزلة صاحبه وأن غيره من الملوك لا يرتقون إلى مكانته؛ بل يضطربون دون سمائه. ويقول له: هَبْ أن مديحي للغساسنة هفوة واعف عني؛ فإن لكل شخص هفوة، وأين الأخ الذي لا يهفو ولا يعثر؟ ومثلك حري بأن لا يظلم أصفياءه ومن يخلصون له الولاء، فإن ظلمتني قبلت ظلمك، وإن أسدلت عليَّ عفوك ورضاك فليس غريبًا منك؛ فمثلك يعتب ويصفح الصفح الجميل.
ولعل في كل ما قدمنا ما يدل دلالة بينة على براعة النابغة في اعتذاره ومديحه جميعًا؛ فقد كان يعرف كيف ينوع معانيه وكيف يسلك إليها شعابًا لم يسلكها أحد من قبله. والذي لا ريب فيه أن باب الاعتذار والاستعطاف ضيق؛ ولكنه عرف بمقدرته الخيالية كيف ينفذ منه إلى صور طريفة ومعان دقيقة، يقوده في ذلك ذوقه الحضري الذي نصب أمام عينه اتصاله بالغساسنة ذنبًا كبيرًا وجرمًا لا يغتفر في حق النعمان بن المنذر، وقد أخذ يتنصل من هذا الجرم تارة ويعظم فضيلة العفو عن المذنب تارة ثانية. وبذلك كان فاتحًا لباب الاعتذار على مصراعيه، وعلى هَدْيه تبعه الشعراء في العصور الإسلامية متخذين منه قُدْوتهم.
وإذا كنا أعْجبنا باعتذارات النابغة ومديحه فإننا نعجب أيضًا برثائه للنعمان بن الحارث الأصغر الغساني، وهو يستهله بالنسيب ثم يصف ناقته مشبهًا لها بحمار وحشي، ويخرج من ذلك إلى الرثاء؛ فيقول إنه أحزنه نعي النعمان وإن كان سَرَّ قيسًا لما أثخن فيها بحروبه. وهو يعبِّر بذلك عن وفائه واعترافه بالجميل،

نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست